فينبغي أن يستشعر عند وضوئه أنه يتوضأ امتثالًا لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}[المائدة: ٦]. ويشعر أنه يتوضأ وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمامه يتّبعه في وضوئه، وهكذا جميع العبادات، فإذا استشعر الإنسان عند فعل العبادة أنه يفعلها امتثالًا لأمر الله فإنه يجد لها لذة وأثرًا طيبًا وقوله:"ابدءوا بما بدأ الله به"؛ لأن الله بدأ بالصفا فقال:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} وفيه إشارة إلى أن الله إذا بدأ بشيء كان دليلًا على أنه مقدم إلا بدليل.
يقول:"فبدأ بالصفا فرقي الصفا" يعني: رقي عليه، "حتى رأى البيت"؛ أي: الكعبة، "فاستقبل القبلة فوحد الله وكبّره"؛ أي قال:"الله أكبر"، ووحد الله يعني: بالذكر مثل: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير".
وقال -يعني: بعد التكبير والتوحيد-: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"، وقد سبق لنا مرارًا شرح هذه الجملة.
وقوله:"لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، نصر عبده، وهزم الأحزاب وحده" في هذا دليل على جواز السجع بشرط أني كون غير متكلف، "لا إله إلا الله وحده" يعني: لا معبود حق إلا الله وحده، "أنجز وعده" بماذا؟ بنصر المؤمنين، فإن الله أنجز لرسوله ما وعده، "ونصر عبده" يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يراد به الجنس، أي: نصر كل عبد له، "وهزم الأحزاب وحده"، الأحزاب في غزوة الأحزاب، فإنه عز وجل هزمهم بالريح التي أرسلها عليهم والرعب الذي ألقاه في قلوبهم، ويحتمل أن يراد بالأحزاب هنا ما هو أعم؛ يعني: كل حزب يحارب الله فالله -سبحانه وتعالى- يهزمه كما قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (٢٠) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: ٢٠]. ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات؛ إذن يقول هذا الذكر ثم يدعو، ثم يقوله مرة أخرى ثم يدعو، ثم يقوله مرة ثالثة ثم ينزل؛ لأنه قال:"ثم دعا بين ذلك"، والبينية تقتضي أن يكون محاطًا بالذكر من الجانبين، فيكون الدعاء مرتين والذكر ثلاث مرات.
"ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صعدتا مشى حتى أتى المروة" يقول: "نزل إلى المروة ماشيًا" بدليل قوله: "حتى إذا نصبت قدماه في بطن الوادي سعى"، وبطن الوادي هو مجرى السيل ومكانه ما بين العلمين الأخضرين الآن، وكان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مسيل المياه النازلة من الجبال، وإنما سعى؛ لأن أصل السعي من أجل سعي أم إسماعيل رضي الله عنها فإن أم إسماعيل لما وضعها إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- هي وولدها في هذا المكان وجعل عندهما ماء وتمرًا، فجعلت الأم تأكل من التمر وتشرب من الماء وترضع الطفل، فنفذ التمر والماء وجاعت الأم وعطشت ونقص لبنها فجاع الطفل، فجعل الطفل يصبح