ويتلوَّى من الجوع، فأمه -من أجل الأمومة- رحمته وخرجت إلى أدنى جبل إليها لعلها تسمع أحدًا أو ترى أحدًا، فصعدت الصفا وجعلت تستمع وتنظر فلم تجد أحدًا، فرأت أقرب جبل إليها بعد الصفا المروة فاتجهت إليه تمشي وهي تنظر الولد فلما نزلت بطن الوادي احتجب الولد عنها فجعلت تركض ركضًا شديدًا من أجل أن تلاحظ الولد، فلما صعدت من المسيل مشت حتى أتت المروة ففعلت ذلك سبع مرات وهي في أشد ما يكون من الشدة بالنسبة إليها جائعة عطشى وبالنسبة إلى الولد، وعند الشدة يأتي الفرج؛ فبعث الله عز وجل جبريل فضرب بجناجه الأرض في مكان زمزم فنبع الماء بشدة فجعلت أم إسماعيل تحجز الماء تخشى أن يضيع من شدة شفقتها، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم لكانت عينًا معينا لكنها حجزتها ثم شربت من هذا الماء، فكان هذا الماء طعامًا وشرابًا، وجعلت تسقي الولد، والحديث ذكره البخاري- مطولًا، المهم إن الرسول صلى الله عليه وسلم لما انتحبت قدماه في بطن الوادي سعى من أجل أن الناس إنما سعوا من أجل سعي أم إسماعيل، يقول: "حتى أتى المروة",
"ففعل على المروة كما فعل على الصفا" فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك سبع مرات، فلما كان آخر طواف على المروة نادى وهو على المروة وأمر الناس أن من لم يسق الهدي منهم أن يجعلوا نسكهم عمرة، فجعلوا يراجعون النبي صلى الله عليه وسلم حتى قالوا: الحلّ كله يا رسول الله؟ قال: "الحلِّ كله"، قالوا: نخرج إلى منى وذكر أحدنا يقطر منيًّا؛ يعني: من جماع أهله؟ قال: "افعلوا ما آمركم به، فلولا أني معي الهدي لأحللت معكم"، فأحلّوا -رضي الله عنهم-، أما النبي صلى الله عليه وسلم ومن ساق الهدي فلم يحلّ، ثم نزلوا بالأبطح في ظاهر مكة، فلما كان يوم التروية خرجوا إلى منى، فمن كان منهم باقيًا على إحرامه، فهو مستمر في إحرامه ومن كان قد أحل أحرم بالحج من جديد.
يقول: "فلما كان يوم التَّروية توجهوا إلى منًى" ويوم التّروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة، وسمي بذلك؛ لأن الناس يتروون فيه الماء لموسم الحج، ومن هذا اليوم إلى اليوم الثالث عشر، ولكل يوم من هذه الأيام الخمسة اسم خاص، فالثامن يوم التروية، والتاسع يوم عرفة، والعاشر يوم النحر، والحادي عشر يوم القر، والثاني عشر يوم النّفر الأول، والثالث عشر يوم النفر الثاني.
يقول: "توجهوا إلى منًى وركب النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر"، قصرًا بلا جمع، "ثم مكث قليلًا حتى طلعت الشمس"، فأجاز حتى أتي عرفة فوجد قبة قد ضربت له بنمرة، "أجاز" بمعنى: تعدّى، وإنما قال: أجاز يعني تعدَّى؛ لأن قريشًا كانوا يقفون يوم عرفة في مزدلفة ويقولون: إنا أهل مكة وأهل الحرم لا نقف في الحلّ، وهذا من