الحّمية الجاهلية والعياذ بالله، أما النبي صلى الله عليه وسلم فأجاز حتى أتى عرفة، وكان قد أمر أن تضرب له قبة بنمرة وهي قرية قرب عرفة، فضربت له القبة بنمرة فنزلها حتى زالت الشمس، وهذا النزول فيه استراحة بعد التعب من المشي من منّى إلى عرفة؛ لأن هذا أطول مسافة في الحج من منّى إلى عرفة، من منّى إلى مكة قريب، ومن منّى إلى مزدلفة قريب، ومن عرفة إلى مزدلفة قريب، وأطول ما يكون من منّى إلى عرفة، فبقى النبي صلى الله عليه وسلم هنالك واستراح.
يقول:"حتى إذا زالت الشمس أمّر بالقصواء فرحلت له""القصواء" اسم ناقته، "فرحلت له" أي: جعل رحلها عليها، ثم ركب -عليه الصلاة والسلام- "فأتى بطن الوادي"، أي: وادي عرنة، "فخطب الناس، ثم أذّن ثم أقام"؛ أذن؛ يعني: أمر من يؤذن، وكذلك في الإقامة، "فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر"، ففي هذه الجملة أنه ينبغي الإحرام بالحج في اليوم الثامن، وأن يبقى الإنسان الحاج في منى يوم الثامن وليلة التاسع، وأن ينزل بنمرة إلى زوال الشمس، وهذا على سبيل الاستحباب، ثم فيه أيضًا: أنه ينبغي أن يخطب خطبة، هذه الخطبة قال بها حتى من لم يقولوا بخطبة صلاة الكسوف، والصحيح: أن الخطبة في صلاة الكسوف سنة، وكذلك الخطبة هنا سنّة، هذه الخطبة بين فيها الرسول صلى الله عليه وسلم قواعد الإسلام وشيئًا من الفروع المهمة كتحريم الربا الذي قال فيه:"ربا الجاهلية موضوع، وأول ربًا أضع من ربانا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله".
"وصلى الظهر والعصر جمع تقديم"، وفيه: أنه يسن جمع التقديم في يوم عرفة، وإنما صلى جمع تقديم من أجل اجتماع الناس؛ لأن الناس إذا تفرقوا بعد الصلاة تفرقوا في موافقهم، فلو أخرت صلاة العصر لكان كل طائفة يصلون وحدهم في مكانهم، والنبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يجتمع الناس حتى وإن أدى ذلك إلى جمع الصلوات التي يجمع بعضها إلى بعض، أرأيتم جمعة في المدينة من أجل المطر ما المقصود منه؟ حرصًا على الجماعة، وإلا ففي إمكانهم أن يذهبوا إلى بيوتهم ويصلُّوا فيها، وهم معذورون في هذه الحال لكن من أجل الجماعة، هذا مثله كذلك أيضًا أبدى بعض العلماء حكمة أخرى قال من أجل أني طول زمن الوقوف والدعاء حتى لا يشتعل الناس بالطهارة للصلاة والنداء لها والاجتماع إليها ويبقون في الدعاء والتفرغ لله من حين يصلون الظهر والعصر جمع تقديم.
يقول:"ولم يصل بينهما شيئًا"؛ وذلك لأن سنة الظهر تسقط عن المسافر.