للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"ثم ركب حتى أتى الموقف فجعل بن ناقته القصواء إلى الصَّخرات وجعل جبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة"، ذهب -عليه الصلاة والسلام- إلى موقفه إلى أقصى عرفة من الشرق من خلف الجبل جعل بطن الناقة إلى الصَّخرات، يعني: يلي الصَّخرات وجبل المشاة، وهو طريق يمشي به الناس جعله بين يديه -عليه الصلاة والسلام-، واستقبل القبلة ولم يزل على بعيره حتى غربت الشمس وهو مشتغل بالابتهال إلى الله عز وجل والتضرع إليه، رافعًا يديه إلى الله -تبارك وتعالى- حتى غربت الشمس، ولم يمل ولم يتعب مع طول القيام، ولكن الله عز وجل أعانه على طاعته عونًا، وثبت أنه -عليه الصلاة والسلام- سقط خطام ناقته فأخذه بإحدى يديه وهو رافع الأخرى، وهذا يدل على تأكد رفع اليدين هنا، المهم: أنه بقي يدعو.

يقول: "لم يزل واقفًا حتى غربت الشمس وذهبت الصُّفرة قليلًا حتى غاب القرص ودفع".

في هذا من الفوائد: أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذهب إلى ذلك الموقف؛ لأنه -والله أعلم- كان من عادته أن يكون في أخريات القوم، وهذا هو آخر حدود عرفة من الناحية الشرقية أو هو آخر ما يصل إليه الحجاج في ذلك الوقت، ووقف هذا الموقف وقال للناس: "وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف"، حتى لا يجتمع الناس إلى هذا المكان فيحصل الضيق والعنت عليه، كأنه يقول: الزموا أماكنكم فإن عرفة كلها موقف.

ويستفاد من ذلك: استقبال القبلة حال الدعاء يوم عرفة ورفع اليدين، وأن الإنسان إذا تشاغل بما ينفع المسلمين من إجابة سؤال أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر فإن ذلك لا يقطع دعاءه؛ لأن نفع هذا متعدًّ، والدعاء نفعه خاص غير متعدًّ، فلا ينبغي للإنسان مثلًأ إذا اشتغل بالدعاء في عرفة وجاء شخص يسأله أن يكشر في وجهه أو يقول: لا تشغلني أو ما اشبه ذلك، اللهم إلا في مسائل لا تفوت، وهذا السائل الذي معك سيدركك ويسألك في وقت آخر، فهنا ربما نقول: إنه يسوّغ لك أن تقول: لا تشغلني واشتغل بالدعاء وقد يكون السائل من رفقتك ويكون السؤال لا حاجة لبيانه في هذا الوقت؛ لأن المسألة علمية تناقشوا فيها واختلفوا وجاءوا إليك يسألونك فلكل مقام مقال، لكن لو تكون مسألة واقعة حادثة تحتاج إلى حل فإن التشاغل إلى إجابة السائل هنا أفضل من التشاغل بالدعاء.

ومن فوائد هذه الجملة: أنه لا دفع من عرفة إلا بعد الغروب لقوله رضي الله عنه: "حتى غاب القرص ودفع" ولا يجوز الدّفع قبل الغروب، لكن لو دفع فهو آثم والحج صحيح لحديث عروة بن مطرف رضي الله عنه سيأتي إن شاء الله، الدفع قبل الغروب فيه عدة مفاسد:

<<  <  ج: ص:  >  >>