الثاني: أنه موافق لهدي المشركين؛ لأن المشركين كانوا يدفعون من عرفة إذا كانت الشمس على الجبال كالعمائم على الرءوس فدعوا.
الثالث: أن فيه نقصًا في الوقوف الذي هو الركن، ومعلوم أن الأركان أفضل من الواجبات، والواجبات أفضل من السنن؛ لأنه كلما تأكدت العبادة كانت أفضل لقوله تعالى في الحديث القدسي:"ما تقرّب إلىّ عبدي بشيء أحبُّ إلىّ مما افترضته عليه".
قال رضي الله عنه:"ودفع وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله"، "شنقه" يعني: جذبه "حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله" يعني: رقبتها؛ لماذا؟ لئلا تندفع؛ لأن دفع الناس جميعًا والإبل ومشيها، يعني: يأخذ بعضها بعضًا حتى تسرع كما يقول العامة: "إن بعضها يشيل بعض"، لكن الرسول شنق لها الزمام لئلا تسرع، وهو يقول بيده اليمنى:"أيها الناس السكينة السكينة".
"وهو يقول بيده اليمنى: يا أيها الناس، السكينة السكينة" يعني: اسكنوا، اطمئنوا.
يقول:"وكلما أتى جبلًا من الجبال أرخى لها قليلًا حتى تصعد" في هذه الجملة كيف يدفع الإنسان من عرفة؟ يدفع بسكينة بقدر ما يستطيع ويأمر الناس بالسكينة ليسكنوا، يأمرهم بصوته إن تمكن أو بمكبر الصوت.
وفيه أيضًا: حسن رعاية الرسول صلى الله عليه وسلم لما هو مولِّى عليه هذه البهيمة، "إذا أتى جبلًا من الجبال" يعني: شيئًا مرتفعًا أرخى لها قليلًا حتى تصعد رفقًا بها، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه إذا وجد فجوة نص؛ أي أسرع السير، فيؤخذ من هذا وذاك أنه ينبغي للإنسان مراعاة ما هو راكب عليه وأنه إذا وجد فجوة ومتسعًا فليسرع.
يقول:"حتى إذا أتى مزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئًا، ثم اضطجع حتى طلع الفجر، فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذنان وإقامة، ثم ركب حتى إذا أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة فدعا وكبَّر وهلل، فلم يزل واقفًأ حتى أسفر جدُّا، فدفع قبل أن تطلع الشمس". هذا موقف مزدلفة، دفع النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة بسكينة وهو يسكن الناس -عليه الصلاة والسلام-، وفي أثناء الطريق نزل فبال وتوضأ وضوءًا خفيفًا، فقال