للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له أسامة -وكان رديفة-: يا رسول الله، قال: الصلاة أمامك؛ لأنه لا يمكن الصلاة في الطريق؛ لأن إيقاف الناس -وهم مندفعون- فيه شيء من الصعوبة ثم المبادرة ما دام ضوء النهار باقيًا أرفق بالناس؛ ولهذا قال: الصلاة أمامك، فلما وصل إلى مزدلفة أمر بلالًا فأذن، ثم أقام فصلى المغرب ثم أناخ كل واحد بعيره ثم صلى العشاء.

وفيه أيضًا: دليل على أنه لا ينبغي في ليلة المزدلفة أن يشتغل الناس بالذكر أو بالقرآن أو بالصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اضطجع حتى طلع الفجر، وهذا من حسن رعايته لنفسه -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه بعد التعب في المسير من عرفة إلى مزدلفة وفي النهار كان مشتغلًا بالدعاء وبتعليم الناس وتوجيههم تحتاج النفس إلى راحة فنام كل الليل، ولم يذكر جابر ولا غيره فيما أعلم هل أوتر النبي صلى الله عليه وسلم أو لا، والظاهر أنه أوتر؛ لأنه لم يكن يدع الوتر لا حضرًا ولا سفرًا.

وفيه: أنه ينبغي تقديم صلاة الفجر في يوم العيد في مزدلفة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الفجر من حين تبين له الفجر، ولكن يجب الحذر من الاغترار بفعل بعض الناس، فإنه في ليلة المزدلفة تسمع بعض الناس يؤذن قبل الوقت بساعة أحيانًا يستطيلون ثم يقوم يؤذن ويصلي الفجر ويمشي وليته لم يضر إلا نفسه، لكن إذا سمعه يؤذن أذن وتتابع الناس؛ ولهذا يجب الحذر في صلاة الفجر ليلة مزدلفة.

وفيه: أنه ينبغي للإنسان أن يتقدم إلى المشعر الحرام إما براحلته إن كان على راحلة أو بقدمه إن كان ماشيًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تقدم إليه ومع ذلك قال: "وقفت ها هنا وجمع كلها موقف" ويدعو إلى أن يسفر جدَّا ويتبين النهار تمامًا ثم يدفع إلى منى.

قال رضي الله عنه: "حتى أتى بطن محسر .... الخ" "أتى بطن محسر" هذا بطن الوادي، وسمي محسرا؛ لأ، هـ سالكه؛ لأن فيه رملًا ودعثًا فيحسر سالكه، "فحَّرك قليلًا" لماذا؟ قيل: لأن هذا هو المكان الذي نزلت فيه عقوبة أصحاب الفيل فأسرع فيه، ولهذا أمر أن يسرع الناس إذا مروا بديار ثمود، وقيل: إنه أسرع فيه من أجل أنه دعث وعادة يكون المشي في الدعث بطيئًا فحَّرك، وقيل: إنه حرك؛ لأن قريشًا كانوا ينزلون في هذا الوادي ويذكرون أمجاد آبائهم يفتخرون بهم، فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعاكسهم وأن يسرع بدلاً من وقوف قريش، على كل حال: كل هذا ممكن إلا أن القول بأنه أسرع؛ لأن الله أنزل فيه عقوبة أصحاب الفيل كانت في المغمَّس وليست هنا.

قال: "ثم سلك الطريق الوسطى"؛ لأن منى فيها ثلاثة طرق شمالية وجنوبية ووسطى، فسلك

<<  <  ج: ص:  >  >>