للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشاة، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أهدى مائة بعير وأشرك علي بن أبي طالب في هدية، ونحر منها ثلاثًا وستين بيده، وأعطى عليُّا فنحر الباقي، ثم أمر لكل بدنة ببضعة فجعلت في قدر وطبخت فأكل من لحمها، وشرب من مرقها تحقيقا لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: ٢٨]. قال العلماء: ومن الأمور العجيبة أنه نحر ثلاثًا وستين بيده الكريمة، وكان هذا العدد مطابقًا لسنين عمره صلى الله عليه وسلم، ثم إنه - عليه الصلاة والسلام- حلّ من إحرامه بعد أن رمى ونحر وحلق وتطيَّب ونزل إلى البيت فطاف وصلى بمكة الظهر.

والحقيقة: أنه عند التأمل يجد الإنسان بركة عظيمة في هذا الوقت الموجز، وكانت حجة الرسول صلى الله عليه وسلم في الاعتدال الربيعي، يعني: وقت النهار والليل فيه متساويات تقريبًا في هذه المدة الوجيزة عمل هذه الأعمال الكثيرة: دفع من مزدلفة ورمى ونحر ثلاثًا وستين بل مائة وأمر أن تطبخ وأكل من لحمها، وشرب من مرقها، وحلق وحل، ووقف الناس يسألونه، ونزل إلى مكة وطاف وسعى وصلى الظهر في مكة، هذه كلها -في الحقيقة- أعمال عظيمة لكن ببركة الله تمت من زمن قليل، ويؤخذ منه: أن الله عز وجل إذا بارك للإنسان صار يفعل في الوقت القصير أفعالًا كثيرة، وهذا شيء مشاهد، نسأل الله أن يبارك لنا ولكم في الأعمار والأعمال.

يقول هنا: "فصلى بمكة الظهر"، وفي حديث أنس في الصحيحين: أنه صلى الظهر في منى، فاختلف العلماء في ذلك؛ فقال بعضهم: نقدم حديث أنس؛ لأنه في الصحيحين، وقال آخرون: نقدم حديث جابر؛ لأن جابرًا ضبط الحج ضبطًا وافيًا فكان أعلم بذلك من غيره، وقال بعضهم: بل نجمع بينهما فنقول: صلى الظهر في مكة في وقتها، ولما خرج إلى منى وجد جماعة من أصحابه لم يصلوا فصلى بهم فيكون صلى بهم مرتين.

هنا يقول: "فطاف بالبيت" ولم يذكر السعي؛ لماذا؟ لأنه سعى بعد طواف القدوم، والقارن إذا سعى لعد طواف القدوم كفاه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: "طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعك لحجك وعمرتك"، فقد أدى الواجب، وكذلك أصحابه الذين لم يحلِّوا طافوا معه ولم يسعوا؛ لأنهم كانوا قد سعوا، وعلى هذا يحمل حديث جابر: "لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافًا واحدًا طوافه الأول" فيعني بأصحابه هنا: الذين لم يحلُّوا معه

<<  <  ج: ص:  >  >>