للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنه أيضًا -من فوائد الحديث-: أن الشرع يأتي بما فوق العقل، بمعنى: أن العقل قد يدرك الشيء على وجه ناقص فيأتي الشرع ويكمله، وجه هذا: أن الصحابة قالوا: إذا كانت هذه الشحوم تطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فهذا يقتضي جواز بيعها لتحصيل هذه المنافع، ولكن الشرع أقوى من ذلك وأعمق؛ حيث منع منها الرسول صلى الله عليه وسلم مطلقًا لما في ذلك من الحماية التامة؛ لأنه لو أجيز بيع الشحوم لهذه الأغراض لتوصل الناس إلى شيء آخر ولقالوا: إذن يجوز بيع لحوم الخنزير لهذا الغرض، لكن الرسول بيّن أن هذا ممنوع.

ومن فوائد الحديث: جواز طلي السفن بشحوم الميتة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقرهم على ذلك.

ومن فوائد الحديث أيضًا: جواز الاستصباح بشحوم الميتة، لكن قال أهل العلم: إنه لا يجوز أن يستصبح بها في المساجد، وهذا القول مبني على أن النجاسة لا تطهر بالاستحالة؛ لأن دخان النجاسة نجس، أما على القول بأنها تطهر بالاستحالة فإن دخانها طاهر، وحينئذٍ لا مانع من أن يستصبح بها في المساجد.

ومن فوائد الحديث: جواز الانتفاع بالنجس على وجه لا يتعدى لقوله هنا: "فإنها تطلى بها السفن"، فإن كان على وجه يتعدى مثل أن يستعمل النجس على ثوبه أو بدنه ويذهب إلى الصلاة، فإن هذا لا يجوز، أو يستعمل النجس في أكله وشربه فإن هذا لا يجوز؛ لأن التغذي بالنجاسة لا يجوز.

هل يستفاد منه: جواز استعمال الكحول على وجه لا يتعدى كما لو ادهن بها أو ما أشبه ذلك؟ نعم، قد يقال بذلك، وقد يقال: إن عموم قوله: {فاجتنبوه} [المائدة: ٩٠]. يدل على أنه لا يستعمل لا شربًا ولا دهانًا.

ومن فوائد الحديث: جواز الدعاء على الأمة إذا عملت ما يكون معصية على سبيل العموم؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "قاتل الله اليهود"، فيجوز لك أن تقول: قاتل الله أهل هذا البلد إذا كانوا يتعاملون معاملة سيئة أو يفعلون معصية تدعو عليهم بأن يقاتلهم الله، وسبق معنى المقاتلة.

ومن فوائد الحديث: أن اليهود أصحاب مكر وخديعة؛ لأن الله لما حرم عليهم الشحوم صاروا يذيبونها ثم يبيعونها ويأكلوا ثمنها.

ومن فوائده: أن من تحيل على محارم الله من هذه الأمة ففيه شبه من اليهود، فيكن التحيل حرامًا؛ لأنه تحيل على المعصية، ولأن فيه مشابهة لمن؟ لليهود.

ومن فوائد الحديث: أن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه، وبناء على ذلك فإن ما ذكرناه قبل قليل من شراء الأصنام لإتلافها أو الكتب المنحرفة لإتلافها يكون الثمن حرامًا على البائع لماذا؟ لأن هذا حرام عليه فيحرم عليه ثمنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>