للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن فوائد الحديث: جواز تسييب المال إذا لم يكن فيه منفعة، وإن شئت فقل: الحيوان إذا لم يكن فيه منفعة؛ لقوله: "فأراد أن يسيبه".

فإن قال قائل: هذا يعارض قول الله تعالى: {ما جعل الله من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ... } [المائدة: ١٠٢].

أي: ما جعل الله ذلك شرعًا، فكيف الجمع؟

نقول: السائبة التي في القرآن والتي نفى الله تعالى مشروعيتها هي أن العرب إذا ولدت الناقة عندهم ما ولدت أو أضرب الجمل ما أضرب سيبوه وحرموا ركوبه وحرموا أكله، وقالوا: هذا أتى بالواجب عليه سواء كان فحلًا أو كان أنثى، وولدت ما ولدت فيقول: هذا قضى الذي عليه فيجب أن يسيب أو يترك، وهذا يستلزم تحريم ما أحل الله من أكله ومنافعه؛ فلهذا نفى الله مشروعيتها، أما هذا فليس سيبه تحريمًا له، ولكنه سيبه لانعدام فائدته، ومع ذلك فيه مشقة على جابر أن يبقى متأخرًا عن القوم على هذا الجمل، لو قال قائل: تسييبه كيف تجوزونه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت" وتسييبه تضييع له؟ قلنا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الهرة التي حبستها المرأة وعذبت عليها بالنار: "لا هي أطعمتها -إذ هي حبستها ولا أطعمتها-، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض"، وهذا يدل على أن الإنسان إذا ترك البهيمة لم يسجنها ولم يحبسها فليس عليه منها شيء، وأيضًا إذا كان هذا لا مصلحة وفيه مضرة على الإنسان فماذا يصنع؟ وإذا كان الله خلق هذه لمنافعنا فلدفع مضراتنا من باب أولى؟ إذ قال قائل: لو انكسر البعير هل يجوز لصاحبه أن يدعه؟

الجواب: لا، لا يجوز؛ لأن بإمكانه أن ينحره وينتفع بلحمه، لكن الذي تعب وأعيا الغالب أن لحمه ليس بجيد فلا ينفع، لو انكسر الحمار ماذا نصنع؟ الحمار لا يمكن أن يجبر هذا من طبيعته، فهل يتركه أو يقتله؟ يقتله هذا لا بأس تفاديًا من نفقاته وشره ووجوده يحتاج إلى نفقات فليس له إلا قتله؛ لأنه لو خرج به إلى البر وسيبه لا يستطيع أن يعيش؛ لأنه مكسور فأحسن شيء في هذا أن يقتل.

قوله: "فأراد أن يسيبه" فيه أيضًا دليل على أن إضاعة المال إذا كان تفاديًا لما هو أعظم فلا بأس به، يعني: إذا أتلف بعض ماله تلافيًا فيما هو أعظم فلا بأس به، كيف ذلك؟ بتسييب الجمل.

هل يؤخذ منه: جواز بيع الوقف إذا تعطلت منافعه؟ يجوز أن يباع ويجوز أن يترك، وخير الأمرين أن يباع ويشترى بقيمته ما يقوم مقامه.

بقي علينا بحث مسألة ثانية وهي: هل إذا وجدها أحد تكون له؟ غير الإبل؛ لأن الإبل الرسول

<<  <  ج: ص:  >  >>