أو الحمار أو ما أشبه ذلك، والثاني: ألا يكون فوق طاقة ذلك الحيوان، فإن كان فوق طاقته بأن يكون الحيوان قد بذل الطاقة ولكن ليست عنده قدرة فحينئذٍ يكون ضربه مجرد تعذيب ليس فيه فائدة، والمقصود من الضرب الفائدة.
ومن فوائد الحديث: ظهور آية من آيات الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو أنه حين دعا لجابر وضرب جمله صار الجمل سيرًا لم يسر مثله قط، وهذا من آيات النبي صلى الله عليه وسلم، والآية: كل علامة يتبين بها صدق المدعي هذه الآية، والتعبير بآية فيما يظهر من خوارق العادات على أيدي الأنبياء أولى من التعبير بالمعجزة لوجهين:
الوجه الأول: أن ذلك هو التعبير القرآني، والتعبير النبوي، حتى إن الله عزَّ وجل جعل الآية فيما دون ذلك:{وءايةٌ لَّهم أنَّا حملنا ذريَّتهم فى الفلك المشحون}[يس: ٤١]. وقال:{أولم يكن لَّهم ءايةً أن يعلمه علماؤا بنى إسراءيل}[الشعراء: ١٩٧].
والوجه الثاني: أن المعجزة قد تقع من غير نبي، قد تقع من ساحر ومستخدم للشياطين، فلهذا كان التعبير بالآية أولى لهذين الوجهين.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يعين أخاه المسلم في مركوبه لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لجابر وضربه للجمل، ومعونة الإنسان في هذه الأمور من الصدقة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"تعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة".
ومن فوائد الحديث: جواز اختبار الإنسان بما لا يراد حقيقته؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"بعنيه"، فإن الرسول طلب أن يبيعه منه لا لأخذ الجمل، ولكن يختبره، فإن جابرًا كان يريد أن يسيبه رغبة عنه وزهدًا فيه، ولا يريده بل يريد التخلص منه، ثم لما بلغ إلى هذه الحال فسار سيرًا لم يسر مثله أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يختبره فقال:"بعنيه بأوقية" قال: "لا"، هذا هو أحسن ما يحمل عليه الحديث، وأما قول بعضهم: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يبر جابرًا ولكنه خشي أن ينكسر قلبه إذا أعطاه فتحيل على عطيته بأن يظهر ذلك في صورة شراء الجمل فهذا بعيد، ويبعده أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ذلك في مناسبة ما حصل للجمل، وقال بعضهم: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يعطيه زيادة نفل من الغنيمة، ولكن خاف أن يعطيه أمام الناس، فيقال: فضله علينا، فأراد أن يجعلها في صورة شراء لجمله، وهذا أيضًا بعيد فأظهر ما يحمل عليه الحديث ما ذكرته.
ومن فوائد الحديث أيضًا: جواز شراء الأكابر من الأصاغر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم اشترى من جابر، ويدخل فيه السنّ والمقدار، فعليه يجوز أن يشتري الأب من ابنه، والأخ الكبير من أخيه الصغير، والأمير من المأمور، ولا يدخل في ذلك السيد من عبده، لماذا؟ لأن العبد ملك لسيده.