ومن فوائد الحديث أيضًا: أنه لا يعد من المعصية إذا امتنع البائع من البيع؛ لقول جابر:"لا" ولم يكن هذا معصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا ما وبخه الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فلو قال لك أبوك: يعني كذا، فقلت:"لا" لم يعد هذا عقوقًا ولا قطيعة رحم؛ لأن هذه شئون خاصة، وما يفعله بعض الناس من الغضب على قريبه إذا طلب منه أن يبيع عليه شيء فقال: لا، فهو خلاف الشرع، بعض الناس يغضب يقول: هذا لا خير فيه ولا يصل رحمه، فنقول: بل أنت الذي أخطأت، فليس لك الحق في أن تغضب وتستنكر هذا الشيء، وقد وقع ذلك من الصحابة مع الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومن فوائد الحديث: تقدير الثمن في المساومة لقوله: "بأوقية"، ولكن قد يقول قائل: هذه الفائدة بديهية كما يقال: السماء فوقنا والأرض تحتنا، فما الجواب؟ الجواب: أن في تعيين الثمن فائدة من أجل أن يقدم أو يحجم، يعني: ليس كما لو قلت: بع على بيتك، بع علي ساعتك، بع على قلمك، إذا بعت ففيه فائدة وهو أن البائع يقدم إن رأى الثمن مناسبًا أو يحجم إذا رآه غير مناسبٍ، وهل يمكن أن نقول: إن فيه دليلًا على اشتراط العلم بالثمن؟ الظاهر: أنه لا يؤخذ من هذا الحديث، لكن لا شك أنك إذا عينت الثمن أولى وأحسن.
ومن فوائد الحديث جواز تكرار طلب البيع أو الشراء؛ لقوله:"بعنيه، فقلت: لا، قال: بعنيه"، ولا يعد هذا من الإلحاح المكروه، فلو جئت إلى شخص وقلت: بع علي بيتك فقال: "لا"، ثم مضى زمن وقلت: بعه عليّ، وقلت مرة ثالثة ورابعة فلا حرج، ولا يعد هذا من الإلحاح المكروه؛ لأنني لا أريد أن يعطينيه بلا ثمن، بل أريد أن يعطينيه بثمن، ولهذا كرر الرسول صلى الله عليه وسلم طلب البيع قال:"بعنيه".
ومن فوائد الحديث: جواز اشتراط منفعة المبيع على وجه معلوم؛ لأن جابرًا اشترط حملان الجمل إلى المدينة، والعلم قد يكون بالزمن، وقد يكون بالعمل، وقد يكون بالمسافة، قد يكون بالزمن كما لو اشترطت علي أن أسكن هذا البيت لمدة شهر، هذا بالزمن، وقد يكون بالعمل كما لو بعت عبدًا واشترطت أن يخيط لي ثوبًا، هذا بالعمل، الثالث بالمسافة كما لو بعت سيارة واشترطت عليك أن تسافر بها إلى مكة.
الفرق بين هذه الثلاثة ظاهر، الزمن متى انتهى، انتهى الشرط سواء حصلت شيئًا كثيرًا أو لم تحصل، العمل كذلك متى انتهى، انتهى الشرط سواء طالت مدة العمل أم قصرت المسافة كذلك، يعني: لي هذه المسافة سواء طالت المدة أم قصرت.
ومن فوائد الحديث: أن اشتراط النفع لا بد أن يكون معلومًا لقوله: "إلى أهلي" فإن كان