والسلام- لما كان يصلي حتى تنفطر قدماه قالوا له في ذلك فقال:"أفلا أكون عبدا شكورا". هذه هي العبودية التامة، أما الرسالة فحدث ولا حرج، يخرج إلى الناس في أوطانهم يدعوهم إلى الله عز وجل ويرجع وهم قد أدموا عقبه ولم يستجيبوا له، ومع ذلك هو صابر، وخروجه إلى أهل الطائف ودعوته إياهم ثم إهانتهم له حتى يرميه فتيانهم بالحجارة ويدموا عقبه ثم يرجع لم يفق إلا في قرن الثعالب، ويأتيه ملك الجبال يقرئه السلام، يقول: إن الله أمره إذا شاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطبق عليهم الأخشبين الآن، الأمر بيده بإذن الله عز وجل لو شاء لأمر ملك الجبال أن يطبق عليهم الأخشبين، لكن ماذا قال؟ قال:"أستأنيهم - أي: أتأنى- لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به". وهذا أتجدون أحدا أصبر من هذا حتى الفطرة والطبيعة تقتضي أن ينتقم الإنسان من هؤلاء وأمثالهم، لكنه - عليه الصلاة والسلام-. لا ينتقم لنفسه أبدا؛ إنما أمره الله، إذن هو قد اتصف بأكمل أنواع العبودية.
"ورسوله" أي: المرسل من قبل الله عز وجل، فهو رسول من الله إلى من؟ إلى الإنس والجن، إلى جميع الناس من يهود ونصارى ووثنيين وملحدين، إلى كل الخلق، وهو أرسل إلى الملائكة أو لا؟ هذا معل لا حاجة إلى بحثه، لكن أرسل إلى الجن والإنس، فالإنس والجن كلهم مكلفون بقبول رسالته والشهادة له بالرسالة، وما أحسن الكلمة التي قالها الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله قال:"هو عبد لا يعبد ورسول لا يكذب"، هذه جملة جيدة جدا تصرها سهل وهي جامعة، "هو عبد لا يعبد ورسول لا يكذب"، هذه جملة جيدة جدا تصورها سهل وهي جامعة، "هو عبد لا يعبد ورسول لا يكذب"، وسيأتينا - إن شاء الله- في فوائد هذا الحديث أن الناس صاروا فيه طرفين ووسط: طرف عبدوه، وطرف كذبوه، والوسط: من عبدوا الله برسالته وصدقوه، هؤلاء هم الوسط.
يقول - عليه الصلاة والسلام-: "ما من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة"، دائما في القرآن يشير الله إلى هاتين الشهادتين في عدة مواضع نذكر منها موضعا واحدا ونقيس عليها الباقي، قال الله تعالى:{أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت ءاباءهم الأولين}[المؤمنون: ٦٨]. هذه تتضمن الشهادة لله عز وجل؛ حيث جاء قوله وهو كلامه بتحقيق التوحيد {أم لم يعرفوا رسولهم}[المؤمنون: ٦٩]. هذه شهادة أن محمد رسول الله، وهذا يأتي في القرآن كثيرا بأن يذكر أولا ما يتضمن التوحيد ثم ما يتضمن الرسالة، قوله:"إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء"، "إلا فتحت"، من المعلوم أن الجنة ليست في الأرض، وأن القائل لا يشاهدها، ولا يشاهد