يتضرر ولكنه أبى علم بأنه مضار وحاسد ومانع للفضل ومضرٌّ باقتصاد الأمة؛ لأن الأمة كلما كثر النماء في مالها ازدادت قوة، فلهذا منع منه الشارع، أي: منع من عوضه، ونظير ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه:"لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبة في جداره"؛ لأن غرز الخشبة في الجدار منفعة للجار ولا ضرر عليك أنت، قال أبو هريرة:"ما لي أراكم عنها معرضين، والله لأرمين بها بين أكتافكم"، قاله وكان أميرًا على المدينة، يقول: إذا لم تسمح للخشب أن يوضع على الجدار وضعته على كتفك، وهذا نظير قول عمر في محمد ابن مسلمة لما منع جاره أن يجري الماء على أرضه إلى الجهة الأخرى كانت أرض بين أرضين جاره فطلب هذا صاحب الأرضين أن يجري الماء من أرض إلى أرض مارة بأرض محمد بن مسلمة وقال: أنا أجري الماء على الأرض وأنت انتفع بالماء، قال: لا، فترافعا إلى عمر، قال عمر: والله لأجرينه ولو على بطنك؛ لأنه مضار، ومثل هذا أيضًا نفسه ضراب الجمل فإنه لا يجوز.
من فوائد الحديث: أولًا: النهي عن بيع فضل الماء، وهو ما زاد عن حاجة الإنسان من الماء الذي لم يدخل في ملكه؛ لأن ما دخل في ملكه فهو يتصرف فيه كما يشاء.
وفيه أيضًا: دليل على أنه لو باعه فالبيع غير صحيح والثمن يرد على المشتري؛ لأن ما يقع النهي عنه بعينه فإن النهي فيه للفساد؛ لأن تصحيحه مضادة لحكم الله ورسوله، فالنهي عنه يراد شرعًا إنقاذه وعدم الاعتداد به، فإذا صححناه فقد خالفنا مقصود الشارع.
وفيه دليل على تحريم بيع ما يحتاج إليه الإنسان من الماء، لماذا؟ لأن التقييد بالفضل بناء على الغالب، وقد قال علماء الأصول: إنما جيء بع مقيدًا باعتبار أمر الغالب، فإنه ليس له مفهوم، ومثلوا لذلك بأمثلة، منها قوله تعالى:{وربائبكم الَّتى فى حجوركم ... }[النِّساء: ٢٣]. فإن قوله:{الَّتى فى حجوركم} بناء على الغالب، وإلا فقد لا تكون في حجره، وكذلك:{ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصُّنا}[النُّور: ٣٣]. لأن هذا هو الغالب، والإكراه لا يجوز سواء أردن التحصن أم لم يردن التحصن.
فإذا قال قائل: إذا حازه الإنسان وملكه فهل يجوز بيعه؟
إن نظرنا إلى ظاهر الحديث قلنا: لا يجوز؛ لأنه عام، وإن قسنا على الحطب الذي قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"لأن يمد أحدكم حبله فيحتطب فيبيع خير من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه"، فإنه يدل على أن الماء إذا حازه الإنسان فهو له، كما أن الإنسان إذا حاز الحطب ملكه مع أن الناس شركاء فيه أيضًا.