وهل يستفاد من الحديث: تحريم منع المنتفع بفضل الماء من الانتفاع به؟ الجواب: نعم، لو أراد الإنسان أن ينتفع بفضل الماء الذي في أرضك سواء كان نقع بئر أم ما جمعت السيول فإنه ليس لك الحق في منعه؛ لأن الشارع ما نهى عن البيع إلا لأجل أن ينتفع الناس كلهم بهذا الماء، فإن قال قائل: أرأيتم لو كان في دخوله لأخذ الماء ضرر على صاحب الأرض؟ قلنا له في هذه الحال أن يمنعه؛ لأن الضرر لا يزال بالضرر، لو فرضنا أن المتضرر يحتاج إلى ماء فإنه لا يزال ضرره بضرر الآخر، فإن قال قائل: إذا كان قد حازه واضطر الإنسان اضطرارًا إليه فهل يجوز أن يبيعه، إنسان معه ماء في قربة وهناك رجل مضطر إلى الشرب فهل يجوز لصاحب القربة أن يبيع عليه الماء؟ الجواب: لا؛ لأنه يجب عليه إنقاذه من الهلاك وإذا وجب إنقاذه فالواجب لا يؤخذ عليه عوض، أما لو جاء إليك يساومك وهو في حاجة لا في ضرورة فلك أن تبيع عليه بما تريد.
ومن فوائد الحديث: النهي عن بيع ضراب الجمل، ويتفرع عليها: أنه لو باع ذلك فإن البيع لا يصح؛ لأنه مما وقع النهي عنه بعينه، والمنهي عنه بعينه لا يصح بيعه.
ومن فوائد الحديث: حكمة الشرع في أن الأمور التافهة التي يجري بذلها دائمًا وغالبًا لا يرى لها ثمنًا ولا أجرة، لقوله:"نهى عن بيع ضراب الجمل"، فإن أبى صاحب الجمل أن يبذله إلا بأجرة أو بيع، قلنا في الجواب: إن له أن يأخذه بأجرة ويكون الآثم صاحب الجمل؛ لأن هذا يريد أن يتوصل إلى شيء محتاج إليه، فيكون الإثم على صاحب الجمل.
٧٦١ - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل". رواه البخاريُّ. "نهى عن عسب الفحل"، "العسب" قيل: إنه الماء الذي يلقَّح به، وقيل: إنه الضِّراب، يعني: نزو الذكر على الأنثى، ولا شك أن نزو الذكر على الأنثى كالجمل والتَّيس والثور يراد به: الماء، فهو وسيلة وليس بمقصود، فسواء فسرناه بأنه النَّزو أو فسرناه بأنه الماء نفسه فهو يدل على النهي عن عسب الفحل.
هل المراد بيعه أو إجارته؟ الحديث مطلق، ما فيه البيع ولا فيه الأجرة، وحديث جابر الذي رواه مسلم يدل على أن المراد به: البيع، ولكن الحقيقة حتى لو قلنا: إن المراد به البيع فإنه شبيه بالأجرة؛ لأن هذا الماء ليس يجعل في الأواني ويباع، لكنه يتكون من نزو الذكر على الأنثى فيتكون هذا الماء ويخرج من هذا النّازي إلى رحم الأنثى بدون واسطة فهو شبيه بالأجرة، ولهذا نقول: إن النهي عن "عسب الفحل" يشمل البيع ويشمل الأجرة.