للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإجارة تأتي على وجهين:

الوجه الأول: أن يستأجره لضرابه لمرة واحدة فهذا حرام؛ وذلك للجهالة والغرر، ولأنه لا يدري ماذا تكون النتيجة من هذه النّزوة.

والوجه الثاني: أن يستأجره لأيام فيقول: أجِّر لي فحلك لمدة أسبوع فيؤجِّره سواء أضرب أم لم يضرب، فقيل: إن ذلك لا يصح؛ لأن هذا المستأجر إنما استأجره للضَّراب وهذا الفحل ربما يضرب وربما لا يضرب، لا ندري متى يضرب، ولا ندري أيضًا متى تكون الإناث تريده، فالمقصود بالعقد أمر مجهول فلا يصح ولا شك أن الوجه الأول -وهو أن يستأجره لإضرابه مرّة- لا يجوز؛ لأن الأجرة لا تصح فيه وذلك لجهالة العوض المعقود عليه، وأما الثاني فهو محل نظر، فقد أجازه بعض أهل العلم وقال: إن هذا الذي استأجره أهم شيء عنده أن يضرب ولو مرة أو مرتين وليس بلازم عنده أن يضرب دائمًا، ولكن لا شك أن فيه جهالة، وأن ظاهر الحديث النهي عنه، وعلى هذا فلا يجوز استئجار الفحل للضراب لأيام معدودة ولا نزوات معدودة معلومة، وذلك من أجل الجهالة.

ومن فوائد هذا الحديث والذي قبله: حرص الشارع على حماية الأموال وألا تبذل إلا في أمر تتحقق فيه فائدة، أما الأمور التي ليس فيها فائدة أو الأمور التي فيها مضرة فإن الشارع ينهى عن بذل المال فيها ولهذا عدَّه أصول في الشرع، منها قوله تعالى: {ولا تؤتوا السُّفهاء أمالكم الَّتى جعل الله لكم قيامًا} [النِّساء: ٥]. فبيَّن الله سبحانه الحكمة من هذه الأموال أنها قيامًا للناس تقوم بها مصالح دينهم ودنياهم، وثبت في الحديث الصحيح عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن إضاعة المال، وهذه الأحاديث وأشباهها كلها تدل على حماية الشرع للأموال وعنايته بها.

ومن فوائد الحديث: استبعاد الشرع عن كل ما يحدث الندم أو النزاع أو العداوة، كيف ذلك؟

لأن النهي عن هذه البيوع إنما كان لحكمٍ منها: ألا يحصل للإنسان ندم، افرض أنك استأجرت فحلًا لينزو على أنثى عندك فنزع فلم تلقح يحصل تنازع، كل ما يحدث الندم للإنسان فإن الشرع يأمرنا بالابتعاد عنه، ولهذا أيضًا أصول منها: أن الله سبحانه قال: {إنَّما النَّجوى من الشَّيطان ليحزن الَّذين ءامنوا وليس بضارِّهم شيئًا إلَّا بإذن الله} [المجادلة: ١٠]. والله تعالى إنما أخبرنا بذلك من أجل أن نتجنب هذا الشيء ليس مجرد إخبار أن الشيطان يريد- إحزاننا لا، المراد: أن نبعد عن كل ما يحزن، ولهذا قال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: "لا يتناجى اثنان دون الثالث من أجل أن ذلك يحزنه"، فكل ما يجلب الحزن للإنسان فهو منهي عنه، ثانيًا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر من

<<  <  ج: ص:  >  >>