للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: {يوم ترونها تذهل كلُّ مرضعةٍ عمَّا أرضعت} [الحج: ٢]. قال العلماء: لأن المرضعة ليس المراد بها: الوصف، بل المراد بها: الفعل؛ يعني: تذهل التي ترضع وولدها في ثديها تذهل عنه، بخلاف المرضع التي من وصفها الإرضاع لكن ما معها ما ترضعه هذه ما معها أحد حتى نقول: إنها ذهلت عنه.

على كل حال: الحبلة جمع حابل، وهل ورد في اللغة العربية أن يجمع حابل على فعلة مثل ساحر وسحرة، وكاهن وكهنة، وكامل وكملة، "حبل الحبلة"، إذا أخذنا بطاهر اللفظ فإن ظاهر اللفظ يحتمل وجهين: الوجه الأول: أن يكون المراد به: بيع حمل الحوامل، يعني: حمل الأنثى الحامل، فيكون النهي عن بيع الحمل في البطن، ويحتمل وجه آخر: وهو النهي عن بيع حبل الحبلة؛ أي: حمل الأحمال، فيكون النهي عن بيع حمل الحملة، إذا وضع وكان أنثى وحملت فينتهي عن بيع ولدها، أي: عن بيع حمل الحملة، هذا الحمل الذي في البطن، ويلزم على هذا التقدير أن يكون الحمل الذي في البطن أنثى ثم تحمل ثم نبيع حملها.

[إعادة شرح]: الأول هذا للحبلة، يعني: حمل الحوامل، يعني: بيع الحمل في بطن الأم، وهل يقال: حمل الحوامل الثاني عن حمل المحمول؛ لأن حمل الحمل، يعني: المحمول، وعلى هذا الوجه يكون أن تبيع حمل الحمل الذي في البطن، فنقدر أن هذا الحمل الذي في البطن أنثى ثم تحمل ثم يبيع حملها، ولنفرض أن عند الإنسان شاة اسمها هيلة وفيها حمل فأبيع الحمل الذي في بطن هيلة هذا لا يجوز، وهذا هو الوجه الأول، الوجه الثاني: أن أبيع حمل الذي في بطن هيلة، والذي في بطنها ولدت وسميناها "ربية" فأبيع حمل ربية هذا لا يجوز، ما وجه المنع على الوجه الأول؟ الجهالة فهي ظاهرة، هذا الحمل الذي في البطن لا ندري أذكر هو أم أنثى، لا ندري أواحد أم متعدد، لا ندري أيخرج حيًّا أم ميتًا؟ هذه ثلاثة احتمالات كلها غرر، لهذا ينهى عن بيع الحمل، إذا كان حمل "ربية" صار أشد؛ لأنا لا ندري هل الذي في بطن هيلة ظبية أم ظبيان، لا ندري أذكر أم أنثى، ثم على تقدير أنه أنثى لا ندري أنها أيضًا إذا حملت هل تكبر أو لا تكبر، وتأتي بولد أو تحمل، وإذا حملت جاءت الاحتمالات الواردة في بطن الأم حي أو ميت، ذكر أم أنثى، واحد أم متعدد، إذن العلة هي الجهالة -جهالة المبيع-، فيه وجه آخر: وهو الذي فسره -إما ابن عمر أو نافع-: "وكان بيعًا يبتاعه أهل الجاهلية، كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة ثم تنتج التي في بطنها"، أولًا ننظر في الجملة: "وكان بيعًا يبتاعه أهل الجاهلية" نسبوا إلى الجاهلية؛ لأن سلوكهم كله مبني على الجهل، وعلى هذا فيقال: أهل النهجة الجاهلية أو الملة الجاهلية.

وقوله: "كان الرجل يبتاع الجزور"، الجزور هي البعير سواء كان ذكرًا أم أنثى، صغيرًا أم كبيرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>