وقوله:"إلى أن تنتج الناقة"، كيف نعرب الناقة؟ "الناقة" فاعل، "تنتج" فعل مضارع مبني للمجهول صورة وهو للفاعل حقيقة، يقولون: هذا الفعل لم يبن للفاعل؛ أي: أن العرب ما بنته للفاعل أبدًا، إنما تبنيه للمفعول، لكن المعمول بعده يكون فاعلًا، وهذا يلغز به، يقال لنا: فعل مضارع مضموم الأول مفتوح ما قبل الآخر -على صيغة المبني للمجهول- وما بعده فاعل، يقال: نتجت الناقة، فـ"الناقة" فاعل، ويوجد كتيِّب صغير مؤلف اسمه:"إتحاف الفاضل للفعل المبني لغير الفاعل" ذكر فيه ما بلغه علمه من الأفعال التي وردت عن العرب مبنية لغير الفاعل والمعمول فيها فاعل.
يقول:"وكان بيعًا يبتاعه أهل الجاهلية، كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة ثم تنتج
التي في بطنها"، البيع واقع على شيء معلوم ولكن إلى أجل مجهول، يقول:"إلى أن تنتج الناقة"، يعني: تلد ثم تنتج التي في بطنها، يعني: تلد، وإنتاج الناقة مجهول، إنتاج التي في بطنها أجهل، ولكن ما المؤجل في هذا البيع؟ هل المؤجر البيع، بمعنى: أني أبيعه عليك هذه المدّة فيكون حقيقة الأمر أنه إجارة إلى زمن مجهول، والإجارة تسمى بيعًا، أو أن المعنى: يباع بثمن ويجعل أجل الثمن إلى هذه المدة المجهولة؟ كلاهما صحيح، يعني: أحيانًا يؤجلون البيع نفسه، يعقدون البيع بأن يقول أحدهم: بعتها عليك إلى أن تنتج الناقة، ثم تنتج التي في بطنها قد تكون مدة البيع عشرة أشهر أو عشرين شهرًا وقد تكون عشر سنين، لا يدرى متى تنتج الناقة، ومتى تنتج التي في بطنها، هذا إذا قلنا: إن البيع مؤجل نفس البيع، وقد يكون المراد: أنه يؤجل الثمن، بمعنى: أنه باع عليه شيئًا، كأن يكون قد باع عليه الجزور تامًّا مؤبدًا، لكن الذي يؤجل هو الثمن، يقول: لا تسلمني الثمن إلا بعد أن تنتج الناقة ثم تنتج التي في بطنها وكلاهما مجهول، فالبيع إذن غير صحيح، فصارت المسألة لها أربع صور:
الصورة الأولى: أن يبيع حمل الناقة.
والصورة الثانية: أن يبيع حمل حمل الناقة، وهذا يعود إلى جهالة معقود عليها.
الصورة الثالثة: أن يؤجل المبيع، يعني: يؤجل المدّة التي يكون فيها الشيء ملكًا للمشتري، إلى متى؟ إلى أن تنتج الناقة أو تنتج التي في بطنها هذه فيها تداخل، أحيانًا يبيعونه على أن تنتج الناقة، وأحيانًا إلى أن تنتج التي في بطنها أبعد.
الصورة الرابعة: أن يكون البيع معددًا ولكن الثمن مؤجل بأجل مجهول، إلى أن تضع الناقة أو إلى أن تضع التي في بطنها، وهذا كله مجهول ويؤدي إلى التنازع وإلى الغرر وإلى الندم.