تتفرقا وبينكما شيء" فإذا جاء المدين وقال: أنا عندي لك مائة صاغ بُرّ والآن ما عندي شيء من البر لكن سأعوضك عنه قال: نعم عوضني عنه، قال: أعطيك مائة درهم، لأن الصاع بدرهم، فقال الدائن: لا، أعطني مائة وعشرة هذا لا يجوز، لماذا؟ لأنه ربح بما لم يضمن لم يدخل في ضمانك حتى الآن، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا بأس أن تأخذها بسعر يومها" إذا قال: أعطيك عنها مائة فيجوز؛ لأنه ما ربح، إذا قال: أعطيك عنها تسعين يجوز؛ لأنه إذا جاز بنفس القيمة فمن باب أولى أن يجوز بأقل كما لو قال: أعطني بدل المائة صاع تسعين صاعًا أليس يجوز؟ نعم، إذن يكون قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " لا بأس أن تأخذها بسعر يومها"، المراد: نفي الزيادة لا نفي النقص، فلو أخذها بأنقص جزاء الله خيرًا أو أخذها بالمثل فهو عدل، أو أخذها بالزيادة فهو حرام، وهل يُشترط في هذه الحال ألا يتفرقا وبينهما شيء؟ هو في ذمته مائة صاع بُرّ ولم يكن عنده شيء فاشتراها بمائة درهم، هل يُشترط ألا نتصرف حتى أستلم مائة الدرهم أو لا يُشترط؟ الذين يقولون: يشترط. سيستدلون بحديث ابن عمر: "ما لم يتفرقا وبينهما شيء"، فنقول: كأنكم تقولون: لا يصح الاستدلال بحديث ابن عمر على اشتراط القبض، لأن حديث ابن عمر إنما هو في بيع دراهم بدنانير، وبيع الدراهم بالدنانير يشترط فيه التقابض، لكن بيع دراهم ببُرّ لا يشترط فيه التقابض، وعلى هذا فلو قال بعتك مائة الصاع بمائة درهم لم يشترط القبض الذي يشترط أن يكون بسعر يومه حتى لا يربح فيما لم يضمن، وأما القبض فليس بشرط، وحينئذ نحول البُرّ إلى دراهم، لو قال: أنا ليس عندي بُرّ لكن عندي شعير، أنا رجل مزارع أعطيك بدل البُرّ شعيرًا، هنا يُشترط الشرطان اللذان في حديث ابن عمر وهما أن يكون بسعر اليوم والتقابض، فيقال مثلًا: إذا كان السعر أن صاعًا من البُرّ بصاعين من الشعير فأعطه بدل مائة صاع مائتين ولا تأخذ أكثر من مائتين ولم تتفرقا وبينكما شيء، لا يبيع البًرّ بالشعير يُشترط فيه التقابض، هذه أربعة أنواع من البيوع.
فإذا قال قائل: ما هي الحكمة في النهي عنها، لأننا نعلم أن الأصل في المعاملات الحل، فكل من ادعى تحريم معاملة طولب بالدليل، فهنا نقول: ما هي الحكمة لنعرف سمو هذه الشريعة وأنها لا تضيق على معتنقيها؟
قلنا: لأنها تشتمل على مفاسد، أما الأول: السلف والبيع، فإنها تشتمل على ربًا إما تحقيقًا وإما ظنًا، ومعلوم أن الربا محرم، وثانيًا: لأنها تخرج العقود عن مقصودها الشرعي، فالمقصود بالسلف الإرفاق والإحسان، وإذا انتقل إلى مُعارضة خرج عن موضوع الشرع، ولذلك لو بعت عليك درهمًا بدرهم إلى أجل لا تعطينيه إلى بعد يومين أو ثلاثة هل يجوز؟ لا يجوز، أما لو أقرضتك درهمًا ولم توفني إلا بعد يومين فهذا يجوز، لماذا؟ لأن المقصود الإرفاق ليس المعاوضة: