أو وزن أو عد أو ذرع، فمثلًا لو اشتريت سيارة من معرض وبعتها في هذا المعرض كان هذا حرامًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السلع حيث تُبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم. ولو اشتريت كيسًا من البر كل صاع بدرهم هذا يحتاج إلى توفية فلا يجوز أيضًا بيعه حتى تكيله وتحوزه إلى رحلك، وظاهر هذا أنه لا فرق بين أن تكون السلعة فيما يختص بالبائع كدكانه وبيته أو فيما هو عام كالسوق، لأن هذه القصة كانت في السوق، ولكن في النفس من هذا شيء، وذلك لأن السوق رحل للبائع والمشتري، فمثلًا إذا اشتريت كومتين خضرة في سوق الخضار من قثاء أو غيره، فهل نقول: لا يجوز لك أن تبيعه ما دامت في هذا المكان حتى تحوزها إلى رحلك؟ نقول: في هذا نظر، لماذا؟ لأن هذا الذي باعها لم يبعها في مكان يختص به وقد باعها وخلى بينك وبينها، وأنت الآن لو حزتها إلى أي مكان تحوزها، ليس من العُرف والعادة أن الإنسان إذا اشترى شحنة من هذه الأشياء يذهب بها إلى بيته ليبيعها في بيته، أو في دكانه، بل جرت العادة أن يبيعها في هذا المكان وهذا هو الظاهر، وعلى هذا فيكون هذا الحديث خاصًا فيما يُنقل إلى الرحل، أما ما لم تجر العادة بنقله ويكون البائع قد خلى بينه وبين المشتري في مكانه العام فلا يدخل في هذا الحديث.
ومن فوائد الحديث: أن للشرع نظرًا في قطع ما يُوجب الحقد والبغضاء، وجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن بيع السلع في مكان ابتياعها لئلا يربح المشتري، وحينئذ يكون في قلب البائع شيء من الحقد والبغضاء، حتى وإن كان البائع قد باع باختياره لكن من المعلوم أنه إذا كسب عليه المشتري فقد يظن أنه غلبه وأخذه منه بأقل فيكون في نفسه شيء عليه، ولاسيما أن الشيطان يحرص على هذه الأمور، وبناء على هذه العلة قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لو باعه على من اشتراه منه فإن ذلك لا بأس به أو باعه تولية فإن ذلك لا بأس به، ما معنى تولية؟ يعني: برأس المال بدون ربح، ولكن ظاهر الحديث يُخالف هذا، وأنه لا يجوز بيعه لا تولية ولا مُرابحة ولا على البائع ولا على غيره، وهذا هو الأقرب.
ومن فوائد الحديث: جواز البيع والشراء في الأصل؛ لأنه إنما منع بيعها حيث تُبتاع، فيدل على أن الأصل جواز البيع، وهذا هو الأصل لقول الله تعالى:(واحل الله البيع وحرم الربا) البقرة ٢٧٥. ونستفيد من الأصل أنه لو ادعى مدعٍ أن عقد بيع معين عقد محرم ماذا نقول؟ نقول: هات الدليل، وإلا فالأصل أن عقد البيع حلال حتى تأتي بدليل.