المستثنى بكثير، نحن استثنيا ثلاثة أصواع وهي تأتي ثلاثمائة صاع، فالصحيح أن استثناء المعلوم من المجهول لا بأس به، كالمثال الذي ذكرنا، بعتك هذه الأرض إلا أربعين مترًا يصح، مثل هذه المسألة الحكم فيها كالحكم في السابقة، المهم إذا كانت تختلف سواء ذات الأرض أو جهات الأرض باعتبار الشوارع فإنه في هذه الحال يحتاج إلى أن يعين.
إذن يستفاد من هذا الحديث: النهي عن هذه الأشياء: المحاقلة، والمزابنة، والمخابرة، والثنيا إلا أن تعلم، وقد علمنا في أصول الفقه أن النهي يقتضي الفساد، وعليه فإذا جرت العقود على هذه العقود المنهي عنها فهي فاسدة؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها، والنهي يقتضي الفساد وإذا كان النهي يقتضي الفساد فإن التعامل بهذه الأشياء يكون فاسدًا.
إذن من فوائد الحديث: تحريم هذه المعاملات التي تفضي إلى النزاع والخصومة وحمل الأحقاد.
ومن فوائده: جواز الاستثناء في كل عقد من البيوع وغيرها بشرط أن يكون معلومًا، فإن كان مجهولًا فإنه لا يصح، وهذا في عقود المعاوضات واضح، وفي عقود التبرعات قد نقول بالجواز؛ لأن عقود التبرعات ليس فيها ما يثير العداوة والبغضاء، فلو قال الإنسان لشخص: وهبتك هذا الشيء إلا بعضه فيتوجه الجواز ويعين الواهب البعض الذي استثناه؛ لأن الموهوب لم يخسر شيئًا، إن سلم له الكل فذاك، وإن لم يسلم له إلا أقل القليل فهو رابح على كل حال.
٧٧٣ - وعن أنس رضي الله عنه قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة، والمخاضرة، والملامسة، والمنابذة، والمزابنة"، رواه البخاري.
كل هذه أيضًا أنواع من البيع فيها غرر وجهالة أو احتمال ربا.
"المحاقلة" وهي مأخوذة من الحقل، وتفسر في هذا الحديث بما فسرت به في الحديث السابق.
"المخاضرة" مأخوذة من الخضار، وهي: أن يبيع الحب قبل أن يشتد، يعني وهو أخضر، فهذا لا يجوز، وذلك أنه يؤدي إلى الغرر، فقد يصاب هذا الحب بآفات، ويحصل في ذلك نزاع بين المشتري والبائع، مثاله: رجل عنده مزرعة قد خرجت السنابل وباعها قبل أن يشتد حبها، فهذا لا يجوز إلا إذ باعها على أنها علف بشرط القطع، فهذا يجوز لأنها معلومة وقد بيعت لغرض حاضر فصح البيع، أما إذا بيعت على أنها تكون حبًا قبل أن يشتد فالغرض منها مؤجل، ولهذا إذا باع الزرع وقصده أن يكون علفًا وشرط القطع فلا بأس بذلك، أما إذا باعه على أن يكون حبًا فهذا لا يجوز حتى يشتد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك.