للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يبيح له الرد والفسخ، أيهما إذن أرجح القول بالعموم أو تقيد ذلك بزمن الخيارين؟ القول بالعموم كما هو ظاهر الحديث: "لا يبيع الرجل على بيع أخيه".

هل يقاس على البيع الشراء؟ لا يشتر على شراء أخيه؟ نعم، نقول: وكذلك الشراء لا يجوز أن يشتري على شراء أخيه، وصورة الشراء: أن يقول لمن باع انتبهوا للمثال لأجل أن يقرب لكم الموضوع- في صورة البيع أن نقول لمن اشترى، وفي صورة الشراء نقول لمن باع هذا يسهل عليك التصوير، علمت أن زيدًا باع على عمرو بيته بمائة ألف فذهبت إلى من؟ إلى زيد، وقلت: يا فلان، أنت بعت بيتك على عمرو بمائة ألف، أنا أعطيك مائة وعشرين ألفًا، إن كانا في زمن الخيارين المجلس أو الشرط فهو حرام على كلا القولين، وإن كانا بعد انتهاء زمن الخيار فهو حرام على أحد القولين، والصحيح: أن الشراء على شرائه في زمن الخيارين وبعد انتهاء زمن الخيارين سواء.

فإذا قال قائل: لم أدخلتم صورة الشراء والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا بيع"؟

فالجواب من عدة أوجه: أولًا: أن الشراء قد يطلق عليه البيع، ثانيًا: أن الشراء في معنى البيع والشارع لا يفرق بين متماثلين، فإذا حرّم البيع على بيعه حرّم الشراء على شرائه من باب أولى. ثالثًا: أن في رواية مسلم: "ولا يسم على سومه"، والشراء على شرائه أبلغ من السوم على سومه كما سيأتي في شرح السوم.

فإذا قال قائل: هل تلحقون في البيع ما سواه كالإجارة؟

فالجواب: نعم، وذلك من وجهين: إما أن نقول: إن الإجارة بيع المنافع فتدخل في البيع، وإما أن يقال: لا تدخل في البيع، لكن المعنى الذي في البيع موجود في الإجارة، وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يؤجِّر على إجارة أخيه، ولا أن يستأجر على استئجار أخيه، أن يؤجر على إجارة أخيه مثل: أن يسمع أن زيدًا آجر عمرًا بألف ريال في السنة فذهب إلى عمرو وقال: أنا أعطيك منزلًا أحسن من هذا بثمانمائة ريال في السنة، هذا إجارة على إجارة، أو يذهب إلى زيد فيقول: أنا أعطيك أجرة ألف ومائتين، هذا استئجار على استئجاره، فصار الآن البيع على البيع والشراء على الشراء والإجارة على الإجارة، والاستئجار على الاستئجار، والسوم على السَّوم كل ذلك محرم، وهل يصح العقد؟ الجواب: لا يصح لا في البيع على بيعه ولا في الشراء على شرائه ولا في الإجارة على إجارته ولا في الاستئجار على استئجاره، ووجه ذلك: أن النهي عائد إلى العقد بنفسه، ولا يمكن أن يرد نهي على مأذون، فيه فإذا ورد نهي عن شيء بعينه صار ذلك الشيء باطلًا لا يصح.

ثم قال صلى الله عليه وسلم: "ولا يخطب على خطبة أخيه"، "ولا يخطب" يعني: الرجل "على خطبة أخيه" يعني: إذا خطب شخص امرأة فإنه لا يحلّ لرجل آخر أن يذهب ويخطبها من أهلها؛ لأن ذلك عدوان على حق أخيه، والله -سبحانه وتعالى- يقول: } ولا تعاونوا على الإثم والعدوان {[المائدة: ٢].

<<  <  ج: ص:  >  >>