ويقول: } ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين {[البقرة: ١٩٠]. وقوله:"لا يخطب على خطبة أخيه" فنقول: فيها مثل ما قلنا في قوله: "على بيع أخيه"، فلو خطب رجل امرأة فلا يجوز للمسلم أن يخطبها، ولو خطب نصراني نصرانية فلا يجوز للمسلم أن يخطبها على خطبته من باب أولى، وقوله:"على خطبة أخيه" بناء على الغالب، وقوله:"لا يخطب على خطبة أخيه" أي: الرجل على خطبة أخيه.
لو كانت المرأة هي الخاطبة على خطبة أختها فهل يجوز؟ لا يجوز، فلو علمت امرأة أن فلانًا خطب فلانة وكانت تريد أن تتزوج، وقالت: أريد أن أفسخ عليه، فهذا لا يجوز، لأن عدوان على حق الغير.
وقد يقول قائل: هناك فرق بين خطبة الرجل وخطبة المرأة؛ لأنه لا يلزم من خطبة الثانية فسخ الأولى؛ لأن بإمكانه أن يجمع بينهما بخلاف الرجل؟
قلنا: نعم، هذا ممكن، لكن من الذي قال: إن هذا الرجل يمكنه أن يأخذ اثنتين فيكون في هذا عدوان.
وقوله:"على خطبة أخيه" يدل على أنه ما دامت الخطبة غير قائمة فله أن يخطب، وكيف تكون غير قائمة؟ إذا ردَّ الخاطب، خطب فلان من جماعة وردوه فهل يجوز أن يخطب الثاني؟ نعم.
لو قال قائل: لا يجوز لاحتمال أن يرجع مرة أخرى؛ لأن بعض الناس إذا خطب وردوه يصبر شهرًا أو شهرين، ثم يعود ما دام له رغبة في المرأة فما تقولون؟
نقول: هذا وارد، لكن ما دام ردَّ في الأصل، فالأصل عدم القبول ما دام ردوه أول مرة لا يقبلوه مرة ثانية، فيجوز أن يخطب الثاني هذه المرأة.
ويستفاد من قوله:"على خطبة أخيه" لو جاءنا فلان الخاطب الأول بأن سمع زيد بأن عمرًا خطب فلانة فذهب إليه وقال: يا فلان، الخطبة هذه أنا راغب فيها، فقال: إذن أنا متنازل، هل يجوز؟ نعم يجوز؛ لماذا؟ لأن الخطبة الآن صارت غير قائمة.
لو أن الرجل خطب المرأة وهي مخطوبة لكنه لم يعلم فهل يجوز؟ يجوز؛ لأن لا يعلم ولأن الحديث:"لا يخطب على خطبة أخيه"، وهذا ما خطب على خطبة أخيه؛ لأنه لا يعلم أن أخاه قد خطب، فإن علم أنه خطب، لكن لا يعلم هل ردوه أم قبلوه فهل له أن يخطب؟ ليس له أن يخطب، وهذا هو الصحيح، خلافًا لمن قال: إن هذا خاص فيما إذا قبلوه، وأما إذا لم يعلم فله أن يخطب، والحاصل أن خطبة الرجل الأول إما أن يقبل أو يرد أو لا يدرى حاله، فإن قبل فلا إشكال فيه وإن رد فالخطبة جائزة، ولا إشكال فيه وإن لم يعلم هل ردوه أو قبلوه فقد اختلف على قولين، والصحيح أنه لا يخطب؛ لأن الخطبة قائمة، وقد يكون في إرادتهم أنهم سيوافقون لولا خطبة الثاني، فالصحيح إذا كان لا يدرى حاله فلا يجوز أن يخطب عليه، فإن أذن فإنه جائز؛ لأن الحق له وقد أذن فيه، وإن