للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قال قائل: إذا كان هذا الفقير أتى بشيء قليل كصاع مثلاً واشترى به رطباً يئول إلى صاع، إذا صار تمراً من أجل أن يقدمه إلى صيوف عنده فهل ترخصون له في ذلك؟

نقول: على رأي جمهور العلماء لا نجيزه؛ لأنهم يشترطون أن يكون على رءوس النخل، ولكن لو قال قائل: إن اشتراطه على رءوس النخل فيما إذا كان غرض المشتري أن يأخذه شيئا فشيئاً، فأما إذا كان غرض المشتري دفع حاجته الحاضرة فالظاهر أنه لا بأس به، لاسيما إذا تعذر أو تأخر بيع هذا التمر بدراهم ثم يشتري بالدراهم رطباً، أما إذا أمكن بسهولة أن يبيع التمر بالدراهم ثم يشتري الرطب فهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بع الجمع بالدراهم واشتر بالدراهم جنيبا»، فصارت الشروط ثمانية.

من فوائد الحديث: أولاً: الدلالة على ما ذكره العلماء من أن المشقة تجلب التيسير، وهذه مأخوذة من عدة نصوص منها قوله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة: ٢٦٨]. وقوله: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: ١٦]. وقوله: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج: ٨٧]. فلما شق على هذا التفكه بالرطب يسر الله له بجواز شرائه بماذا؟ بالتمر، فالمشقة تجلب التيسير.

ومن فوائد الحديث: الدلالة على القاعدة العامة أن الدين الإسلامي لم يكن فيه حرج لا في العبادات ولا في المعاملات، فإذا تعذر على الإنسان إلا أن يتعامل بهذه الصفة فإنه من قواعد الشريعة أن ييسر له الأمر، ولكن التعذر لابد أن يتحقق.

ومن فوائد الحديث: ما أشار إليه ابن القيم أن ما حرم تحريم الوسائل فإن الحاجة تبيحه دون الضرورةـ يعني: أن القاعدة في المحرم ألا يباح إلا عند الضرورة بشرط أيضا أن تندفع ضرورته به، وفد مر علينا هذا أن الحرم يجوز للضرورة وأن تندفع الضرورة به، الشرط الأول للضرورة: ألا يوجد مباح سواه، والثاني: أن تندفع ضرورته، فإن لم تندفع ضرورته به فإنه لا يحل، ولهذا حرم التساوي بالشيء المحرم؛ لأنه لا ضرورة إليه لجواز أن يشفى المريض بدونه، ولأنه لا يتيقن زوال الضرورة بتناوله، فالشرطان كلاهما مفقود في التداوي بالمحرم، المهم: أن القاعدة التي دل عليها المحرم لا يبيحه إلا للضرورة إذا اندفعت الضرورة به، دليله قوله تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه} [الأنعام: ١١٩]. لكن قال

<<  <  ج: ص:  >  >>