العلماء ما كان محرما تحريم الوسائل فإن الحاجة تبيحه، وذكروا لذلك أشياء منها: مسألة العرايا لا يجوز بيع الرطب بالتمر كما في الحديث السابق أن الرسول سئل عن شراء الرطب بالتمر فقال: «أينقص إذا جف؟ » قالوا: نعم، فنهى عن ذلك، لكن في العرايا أجاز الشارع اشتراء الرطب بالتمر، لماذا؟ لأن منع بيع الرطب بالتمر خوفاً من أن يكون وسيلة إلى ربا الفضل أن الناس يتدرجون فيقولون: إذا جاز البيع بالرخص في الرطب مع التمر فليجز أيضاً في التمر مع التمر، وحينئذ يقعون في الربا، فلما كان تحريم ذلك من باب تحريم الوسائل أباحه الشارع للحاجة إليه، ومن ذلك: تحريم الحرير على الرجال فإن الحاجة تبيحه، فالحكة التي تصيب الإنسان تجيز له أن يلبس الحرير لتخف عنه، ومن ذلك تضبيب الآنية بالفضة تبيحه الحاجة، لماذا؟ لأن أصل تحريم هذا خوفاً من أن يتدرج الإنسان منه إلى أن يتخذ إناء كاملاً من الفضة ويستعمله في الأكل والشرب، فتحريم التضبيب بالفضة تحريم وسائل فأباحته الحاجة، ولماذا لا تقول الضرورة؟ بإمكانه أن يشرب في إناء آخر وبإمكانه أن يضبب بحديد أو رصاص.
ومن ذلك أيضا: تحريم النظر إلى وجه المرأة الأجنبية فإنه كم باب تحريم الوسائل لكونه وسيلة إلى الزنا ولهذا أجاز النظر إليه للحاجة كالخطبة، فإن الخطيب يجوز أن ينظر إلى وجه المخطوبة، ولو كان تحريمه تحريم قصد وغاية ما جاز؛ لأن نظر الخاطب إلى مخطوبته ليس ضرورة، إذ يمكنه أن يوكل من ينظر إليها من النساء الثقات؛ إذن هذه القاعدة لها عدة صور وهي: ما كان محرما تحريم وسيلة فإن الحاجة تبيحه وإن لم يضطر إليه.
من فوائد الحديث: جواز العرايا في ثمر النخل لقوله في حديث أبي هريرة: "يخرصها من التمر"، وهل يلحق بالنخل ما سواها كالتين والعنب، فيكون الإنسان محتاجاً إلى التفكه بالعنب فيشتريه بالزبيب أو إلى التين الرطب فيشتريه بتين يابس، اختلف العلماء في هذا فقال بعض العلماء: إنه لا يجوز القياس؛ لأن لدينا حديثا عاماً نهى عن بيع المزاينة استثنى منه العرايا فيبقى العام على عمومه، وتخرج منه صورة التخصيص، وهي العرايا في التمر، أما غيرها فلا يجوز، قالوا: ولو جازت العرايا في غير التمر لجازت بين الحب والزرع، والحب والزرع لا يجوز للإنسان أن يشتري زرعاً بحب وهو يريد سنبله، وهذه الصورة ممنوعة بالاتفاق فيما أعلم، ولكن بعض أهل العلم ذهب إلى جواز العرايا في العنب والتين ونحوهما مما يتفكه به ويمكن