منها: بيان سمو الشريعة وأنها مبنية على العلل والمعاني الصحيحة الموجبة للأحكام.
والثانية: طمأنينة النفس بالحكم؛ لأن الإنسان إذا عرف مأخذ الحكم ازداد طمأنينة، لا شك في هذا، ولهذا أنتم الآن تسألون إذا قلنا: هذا حرام، تقولون ما الدليل، وإن كان ليس عندك دليل أعطنا تعليلاً حتى وإن كنتم موافقين بالمجيب لكن تريدون زيادة الطمأنينة.
الثالثة: إن كان القياس فيما وجدت فيه هذه العلة.
الرابعة: أنه لو تخلف العلة لتخلف الحكم، مثال ذلك: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يتناجي اثنان دون الثالث من أجل أن ذلك يحزنه»، يعلم من هذا أنه إذا كان لا يحزنه فلا نهي، لأن انتفاء العلة يقتضي انتفاء الحكم، وأنه لو وجدت العلة في غير المناجاة وهو إحزان الجليس لثبت الحكم وإن لم تكن مناجاة، ومثال ذلك: رجلان يعرفان اللغة الفارسية وأنا عندهما لا أعرف الفارسية، فبدأ كل واحد يكلم الآخر باللغة الفارسية ويجعل كلما كلمه جعله ينظر إليه، هذا أمر يحزنني مع أنهما لم يتناجيا، بل حصل ذلك هنا برفع صوت لكن لما كانت لا أدري ما يقولون بحسب اللغة صارا كالمتناجيين اللذين يتكلمان سرا إذن فوائد قرن الحكم بالتعليل أربعة.
٨١٨ - وعن ابن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من ابتاع نخلا بعد أن تؤبر، فثمرتها للبائع الذي باعها، إلا أن يشترط المبتاع». متفق عليه.
"ابتاع" بمعنى اشترى، وباع، بمعنى: شرى ومثله قوله تعالى: {ومن الناس من يرشى نفسه ابتغاء مرضات الله}[البقرة: ٢٠٧]. يشري بمعنى: يبيع.
قوله:"من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر" هل المراد: أصل النخل، أو المراد: ثمر المخل؟ المراد: أصل النخل، يعني: رجل باع نخله، وقوله:"بعد أن تؤبر"، التأبير هو التلقيح، "فثمرتها للبائع" يعني: هذه الثمرة الموجودة في النخلة تكون للبائع مبقاة إلى أوان أخذها، "إلا أن يشترط المبتاع" يعني: يشترط أن هذه الثمرة المؤبرة له، فإن اشترط ذلك وتنازل عنها البائع فالحق له فلا بأس، هذا معنى الحديث.
وقوله:«من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر ... إلخ» يستفاد منه فوائد:
الفائدة الأولى: أن من اشترى نخلا بعد التأبير فثمرتها للبائع، والحديث في ذلك صريح، والحكمة هو أن البائع عمل في هذه الثمرة عملاً يصلحها لأن التأبير يصلح الثمرة، فلما عمل فيها عملاً يصلحها تعلقت نفسه بها، وصار له تأثير فيها فلذلك جعلها الشارع له.