ومن فوائد الحديث: أنه لو باعها قبل التأبير فثمرتها للمشتري؛ لأن البائع لم يفعل فيها شيئاً، وظاهره حتى وإن تشقق الثمر، يعني: انفرج الكافور عن الثمرة حتى بدت، خلافاً لقول بعض العلماء: إنه إذا تشقق الثمر فهو للبائع، وهذا القول ضعيف بلا شك؛ لأننا لو علقنا الحكم بالتشقق لكنا محرفين للنص من وجهين:
الوجه الأول: أننا اعتبرنا مناط الحكم شيئاً لم يعتبره الشارع وهو التشقق.
الثاني: أننا ألغينا وصفا اعتبره الشارع، وهذا لا شك أنه جناية، الشارع جعل الوصف للتأبير والعلة واضحة فيه، فلا يصح إلحاق التشقق به، ونظير هذا التحريف -تحريف بعض العلماء رحمهم الله- قول النبي صلى الله عليه وسلم:«العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر».
وقوله:«بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة». حيث حرفوا الحديث إلى أن المراد به: من تركها جاحداً لوجوبها، ولا شك أن هذا القول ضعيف، لأن من جحد وجوبها كفر سواء تركها أو لم يتركها، حتى لو جاء الإنسان مبكرا إلى الصلاة وحافظ عليها، لكن يرى أنها سنة فهو كافر، فحينئذ نقول: اعتبرنا وصف لم يعتبره الشرع، وألغينا وصفا اعتبره الشارع، وهو الترك، وهذا تحريف بلا شك أن يلغي الإنسان وصفا علق الشارع الحكم عليه، ثم يأتي بوصف آخر ثم هو منتقض بمن يصلي وهو يعتقد عدم الفرضية فإن عندهم كافر، والحديث لا يدل على كفره لو أخذنا بالدلالة التي زعموها؛ لأن الحديث يدل على من ترك، وهذا التأويل الذي يصح أن نقول: إنه تحريف بعضهم قوله تعالى: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤهم جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما}[النساء: ٩٣]. قال المراد بذلك: من قتله مستحلاً لقتله، وقد عرض هذا القول على الإمام أحمد فتبسم، وقال: إذا استحل قتله فهو كافر وإن لم يقتله والوعيد على القاتل، فهذا اعتبار وصف لم يعتبره الشارع وإلغاء وصف اعتبره الشارع.
وسبب ارتكاب مثل هذه الأمور العلة التي يجب التخلي منها وهي أن الإنسان يعتقد ثم يستدل؛ لأنه إذا اعتقد أولاً ثم استدل حاول في كل النصوص التي تخالف اعتقاده أن يحولها إلى ما يقتضيه اعتقاده، وحينئذ يجعل النصوص تابعة لا متبوعة، والواجب على كل مؤمن أن يستدل ثم يعتقد، فيجعل الاعتقاد تابعاً للاستدلال حتى تكون الأدلة متبوعة لا تابعة، على كل حال: نحن نريد استطراد هذا، لكن (زيادة شرح)، إذا باع نخلاً قبل أن تؤبر وقبل أن تشقق فثمره للمشتري، لأن هذا ظاهر الحديث قالوا جب العمل به.