درهم بمائة صاع من البر هذا كيل، وهذا القول هو الصحيح أنه يجوز الإسلاف في المكيل وزنا وفي الموزون كيلا بخلاف بيع المكيل بالمكيل فلابد أن يكون بالمعيار الشرعي، إذا بعنا برا ببر لابد أن نقدر بالكيل؛ وذلك لأنه يشترط التساوي، أما في باب السلم فليس هناك عوض مع عوض آخر يجب أن يساوية.
ومن فوائد الحديث: أنه لو أجله إلى أجل مجهول بطل السلم أو لم يصح السلم لقوله: "إلى أجل معلوم"، فلو قال: أسلمت إليك مائة درهم مائة صاع من البر إلى قدوم زيد، فهذا لا يجوز؛ لأن قدوم زيد غير معلوم، فإن قال: إلى رمضان صح؛ لأنه معلوم، وإن قال: إلى الحصاد أو الجزاز ففيه خلاف، منهم من أجاز ذلك، ومنهم من منعه، والصحيح: الجواز، وقد مر علينا غير بعيد ما يدل على جواز ذلك وهو أن الرسول أجاز أخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة وهي ليست معلومة ليست معلومة ليوم معين، ولكن لزمن، إذا لصحيح أنه يجوز إلى الحصاد والجزاز.
ومن فوائد الحديث: أنه لابد أن يكون السلم مؤجلا لقوله: "إلى أجل معلوم"، ولكن الأجل إلى متى، طويل أو قصير؛ يعني: هل يكتفي إلى أجل مثل أن أقول: أسلمت لك مائة درهم بمائة صاع بر لمدة ستين دقيقة؟
العلماء -رحمهم الله- قالوا: لابد من أجل له وقع في الثمن، يعني: أن الثمن ينقص به، أما ما لا يتأثر فهذا في أول زمن الشتاء، وأسلمت إليه بثياب شتاء، المدة الوجيزة لها وقع في الثمن؛ لأن الناس يقبلون على طلب هذه الثياب، وبناء على ذلك ينظر إلى المدة التي يقول أهل الخبرة: إن لها تأثيرا ووقعا في الثمن، وقيل: إنه يصح السلم في الحال، وجعلوا الشرط منصبا على الصفة دون الموصوف، ما هى الصفة؟ "معلوم" يعني: أنك إذا أسلمت إلى أجل فليكن الأجل معلوما، وإن سلمت في حاضر فلا بأس، وبناء على ذلك فيجوز أن أسلم إليك مائة درهم بمائة صاع من البر ولا نذكر الأجل وتأتي بها في آخر النهار؛ ولكن الذين يقولون بعدم الجواز يقولون: إن هذا يكون بيعا لا سلما فيحملونه على الوجه الذي يصح وهو البيع، ولكن الذي يظهر أن الغالب أن مقتضى الحال في السلم أن يكون إلى أجل من أجل أن ينتفع البائع والمبتاع.
ومن فوائد الحديث: جواز استصناع الصنعة؛ يعني: تأتي إلى نجار وتقول: أسلم مائة درهم بباب تصنعه لي وتذكر صفته؛ لأنه إذا جاز في الأعيان جاز في الصنائع، وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء، فمنهم من قال بالجواز، ومنهم من قال بالمنع، والصحيح الجواز، وهو الذي عليه عمل الناس، يأتي الإنسان إلى النجار يقول: أصلح لي الباب، يأتي إلى الحداد