للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول: أصلح لي شبكات، يأتي إلى الحذاء يقول: أصلح لي حذاء، فالصواب أنه يجوز استصناع الصنعة سواء أتيت أنت بالمادة أم لم تأت بالمادة مثل أن تأتي بالخرقة للخياط وتقول: اصنع لي هذا الثواب على الوجه الفلاني وتعين، أو هو بنفسه تكون الخرفة منه وتستصنع منه الثوب كاملا.

يستفاد من هذا الحديث: اشتراط العلم بوصف المسلم فيه يعني: أنه لا يجوز أن تقول: أسلمت إليك مائة صاع من البر حتى تصف هذا البر، يؤخذ من قوله: "في كيل معلوم"، لأن هذا يشمل علم القدر وعلم الصفة، فإن أبيت إلا أنه يختص بعلم القدر، فإننا نقول: علم الصفة مقيس على علم القدر، فإذا كان الشارع اشترط أن يكون القدر معلوما فكذلك الصفة يجب أن تكون معلومة، إذا وصفته بأنه طيب أسلمت إليك من الدرهم بمائة صاع بر طيب صحيح، إذا وصفته بأنه أطيب شيء، ففيه خلاف، بعض العلماء يقول: لا يصح؛ لأن أطيب شيء لا يمكن الإحاطة به، إذ ما من شيء إلا وفوقه أطيب منه، فإذا قلت: أطيب شيء وفشى في البلد أن هذا أطيب شيء، ولكنه ليس بأطيب شيء في الدنيا، ذهب إلى بريدة وأحضر الطيب يقال: إن الرياض أطيب فذهب إلى الرياض، فأقول له: في جدة أطيب منه، في بشارور أطيب منه وهكذا فلذلك قال العلماء: لا يجوز أن تقول: أطيب؛ لأن أطيب اسم تفضيل يقتضي أن يكون ليس فوقه شيء، وقال بعض العلماء: بل يجوز أطيب، ويحمل على ما جرى به العرف، يعني: أطبب ما يوجد في السوق أو في البلد، أما أطيب ما يوجد في الدنيا فهذه لا تخطر على بال أحد، وهذا هو الذي عليه العمل، حتى عمل الناس الآن في مكانتهم يقولون: أطيب ما يكون، ويرون كلهم أن قوله: أطيب ما يكون أي: في هذا البلد أو في السوق.

ومن فوائد الحديث: حكمة الشريعة في منع المعاوضة بالمجهول؛ وذلك لأن المعاوضة بالمجهول تؤدي في النهاية إلى النزاع المقضي إلى العداوة والبغضاء، والشريعة الإسلامية تحارب كل شيء يوجب العداوة والبغضاء بين أبنائها؛ لأنه إذا كان لم يكن تواد وائتلاف تفرقت الأمة وتمزقت.

ومن فوائد الحديث: في رواية البخاري: جواز الإسلاف في كل شيء، ومن ذلك أن يسلم في السيارات، في الحيوانات، من بهيمة الأنعام وغيرها لعموم قوله: "من أسلف في شيء"، فإن قال قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم" فيحمل العموم في قوله: "في شيء" أي في شيء مما يكال أو يوزن، فما الجواب؟ الجواب: على هذا أن تقول: إن هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء يعني: إذا جاء النص عاما ثم فرع على بعض أفراده، فهل يحمل على هذا الفرع الذي فرع عليه، ويجعل ذكر الفرد كالمثال، يعني: إذا جاء

<<  <  ج: ص:  >  >>