للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النص عاما ثم ذكر بعد هذا العموم ذكر يختص ببعض الأفراد فهل يحمل العموم على الاختصاص، أو لأنه ذكر ما يدل عليه، أو يحمل على العموم ويكون ذكر بعض الأفراد على سبيل التمثيل يحضرني الآن ثلاثة أمثلة: هذا واحد "من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم"، فإذا نظرنا في "شيء" وجدنا أنها تعم المكيل والموزون والمعدود والمذروع، وإذا نظرنا إلى "فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم"، قلنا: إنها تختص، إنه عام أريد به الخاص فيختص بما يكال وما يوزن.

المثال الثاني: حديث جابر "قضى النبي صلى الله عليه وسلم في الشفعة في كل ما لم يقسم" هذا عام يشمل حتى الثياب والسيارات وأي شيء، "فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة"، هذا الحكم يختص ببعض أفراد العموم وهي العقارات، فهل نقول إن الشفعة خاصة بالعقارات، أو نقول: إنها عامة وذكر ما يختص بالعقار على سبيل التمثيل؟ في هذا خلاف، فمن العلماء من يقول: إن الشفعة في كل شيء حتى لو كان بينك وبين صاحبك سيارة أو ثياب وباع فلك الشفعة، ومنهم من خصها بالعقار، ومنهم من ضيقها بالعقار الذي تجب قسمته.

مثال ثالث: قال الله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} [البقرة: ٢٢٨]. فإذا نظرنا إلى العموم في قوله: {والمطلقات} رأينا أنه يشمل البائن والرجعية، وإذا نظرنا إلى قوله: {وبعولتهن أحق بردهن} قلنا: إن المطلقات عام وأريد به الخاص وهن الرجعيات، ولهذا اختلف العلماء هل المطلقة التي ليست برجعية هل تعتد بثلاثة قروء تستبرئ بحيضه؟ على قولين لأهل العلم؛ فمنهم من قال: إنها تستبرئ بحيضة، ومنهم من قال: إنه لابد أن تعتد بثلاث حيضات، والذي يظهر لي أن الأخذ بالعمود هو الأولى إلا أن يكون هناك قرينة قوية تدل على أنها للخصوص، وبناء على ذلك نقول: إن المطلقات يتربصن ثلاثة قروء وإن كان بائنات، ونقول: الشفعة في كل العقار وغيره، ونقول: السلم في المكيل والموزون وغيره.

في مسألة الطلاق قد يورد علينا مورد بأن الخلع لا يجب فيه عدة، وإنما يجب فيه استبراء فما الجواب؟ الجواب: أن الخلع له أحكام خاصة؛ ولهذا لا يحسب من الطلاق، فلو خالع الإنسان زوجته عشر مرات لحلت له بدون زوج، ولو طلقها ثلاث مرات لا تحل إلا بعد زوج، فالخلع له أحكام خاصة، ومنها أن المرأة المعتدة تعتد بحيضة واحدة بل تستبرئ بحيضة واحدة، إذن القول الراجح في باب السلم أنه يصح في كل شيء، لكن لابد أن يكون معلوم الصفة ومعلوم المقدار وبأجل معلوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>