للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن فوائد الحديث: جواز التصرف في مال الغير لمصلحة ماله -مال الغير- هنا الركوب جائز وإن لم يستأذن المالك؛ لأنه لمصلحة ملكه؛ إذ أنني سأركب وأدفع النفقة.

ومن فوائده: جواز ركوب المرتهن للرهن، وحلبه إياه مع أنه ملك غيره، وهذا من التصرف في ملك الغير، ولكنه للمصلحة كما ذكرنا، وهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم، فمنهم من قال: إنه لا يجوز للمرتهن أن يركب الرهن إلا بإذن من المالك، فإن لم يأذن حرم عليه أن يركب، ومن العلماء من قال: إن تعذر استئذان المالك ركب، وإن لم يتعذر فلابد من استئذانه، والصحيح خلاف ذلك، وأنه يركب وإن لم يستأذن؛ لأن الذي أباح له الركوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لم يركب على وجه يضر الملك بل سيركب بالنفقة.

ومن فوائد الحديث: أنه لا يزيد في الركوب على قدر النفقة، فإذا قدرنا أن الإنفاق عليه كل يوم خمسون درهما وركوبه يساوي مائة درهم، فهل يركب بالنفقة، أو نقول: اركب وادفع خمسين درهما، هذا رجل يقول: إن الحيوان لو أجر يوميا لكان يساوي مائة درهم والنفقة تساوي خمسين فهل أن يركبها بالنفقة في هذه الحال، أو نقول: اركبه وسلم خمسين درهما، لأنه يؤجر بمائة أيهما؟ أما ظاهر الحديث فالأول: أنه ينفق ويركب سواء كانت أجرة ركوبة أكثر من النفقة أو أقل، ولكننا إذا أمعنا النظر في قوله: "بنفقته"، رجعلنا للبائع العوض فإن العوض لابد أن يكون مساويا للمعوض، فإذا كانت النفقة أقل من أجرة الركوب وجب عليه ما زاد على النفقة ويسقط من دين صاحب الرهن؛ لأن المنفعة الزائدة على قدر النفقة لمالك الرهن فلا يمكن أن نضيعها عليه، فنقول: اركب بقدرها إذا كانت الأجرة مائة والإنفاق بخمسين اركب بخمسين والباقي أسقطه من دين صاحبه وبالعكس لو فرض أن الإنفاق عليه بمائة وأن ركوبه بخمسين هل يرجع على صاحبه بما زاد على أجرة ركوبه؟

إذا قلنا: أن النفقة عوض، ولابد من مساواة العوض فإنه يرجع؛ لأنه أمين وقد أنفق على ملك غيره فيرجع على غيره بمقدار ما أنفق على ملكه، فإن تساوى هذا وهذا فلا رجوع له على أحد ولا رجوع لأحد عليه، وكذلك نقول في لبن الدر.

ومن فوائد هذا الحديث: عناية الشارع بحماية الأموال من الضياع؛ حيث جعل المرهون لا يترك هدرا بل ينتفع به، لا يقول: أنا أبقي هذه البعير لا أنفق عليها وأرجع بالنفقة على صاحبها ولا أستعملها؛ لأن في ذلك إضاعة للمال، وكذلك اللبن لا يقول: أتركه في الضرع لست بملزوم على أن أحلبه لأن تركه بالضرع إضاعة مال، وهو كذلك أن الشرع اعتنى بحماية الأموال ونهى عن إضاعتها؛ لأن المال قيام للإنسان في دينه ودنياه، والإنسان وإن توفر عنده المال في يوم من الأيام فقد لا يترفر في أيام أخر، قد يتلف المال وقد تأتي نفقات في غير

<<  <  ج: ص:  >  >>