الحسبان تقضي على المال، ومن جهل الإنسان وسفهه أنه إذا كثر المال في يده صار يسرف في الإنفاق، يقول: الحمد لله الدرج مملوء والبوق مملوء، ما يهمه وهذا خطأ، نقول: يا أخي، الله قال:{وكلوا واشربوا ولا تسرفوا}[الأعراف: ٣١]. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:«كل واشرب وتصدق من غير سرف ولا مخيلة»، ليس من الحكمة إذا توفر عندك المال أن تسرف في إنفاقك، بل كن معتدلاً، وأنفق بالمعروف، ظن بعض العلماء أن النفقة هنا لا يزاد عليها ولا ينقص سواء كان الانتفاع أكثر منها أو أقل فأشكل عليه هذا الأمر، وأجاب بعض العلماء بأن هذا من جنس الصاع الذي يرد مع المصراة ولكن عندي أن هذا الإشكال من أصله مرافع، لماذا؟ لأننا جعلنا الباء للعوض، وهذا يقتضي تساوي الانتفاع بالإنفاق، فإن زاد أو نقص فبحسابه، وحينئذ لا يبقى عندنا إشكال في الحديث.
لكن لو قال قائل: لماذا أذن الشرع في انتفاع المرتهن بالرهن بدون إذا صاحبه.
قلنا: لأن في ذلك مصلحة للطرفين؛ لأنها لا تخلو من أن يبقى هذا المركوب معطلا فيفوت نفعه على الراهن وعلى المرتهن، أو نقول: أجره أيها المرتهن ولا تركبه، وإذا أجره فربما لا يعتني به المستأجر كما يعتني به المرتهن، لماذا؟ لأن المرتهن له فيه حظ نفسي، إذ إنه قد وثق دينه به فلابد أن يكون اعتناؤه به أكثر من اعتناء المستأجر، ثم إن في هذا أيضا مشقة، كلما استأجر وقبض أجرة جعلها عنده رهنا أو سلمه لصاحب البعير، وهذا فيه شيء من المشقة، ولهذا كان إذا الشارع في هذا من أقيس الأقيسة ومن زعم أن هذا خارج عن القياس، فقد مر علينا أن كل قياس يخالف النص هو قياس فاسد والقياس المخالف للنص هو المخالف للقياس؛ لأنه فاسد، والقياس لا يعتبر قياسا إلا إذا كان صحيحا غير مصادم للنص.
[سؤال]: هل يسكن الرهن بأجرته؟
الحواب: لا، لا يسكن بأجرته ويبقى معطلا لا ينتفع به المرتهن ولا الراهن، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة، ولكن الصحيح: أنه لا يبقى معطلا لا البيت المرهون ولا السيارة المرهونة، ولا كل شيء يمكن أن ينتفع به لا يبقى بدون نفع؛ لأن إبقاءه بدون نفع تفويت لمصلحة تعود للطرفين، للراهن بأن يسقط من دينه، وللمرتهن لأنه يستوفي به أو يبقيه عنده تبعا للرهن، ولأن في ذلك إضاعة للمال، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، فإضاعة