للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إما أن يقال: إن ابن عمر ألغى الكسر، فيقول: وأنا ابن أربع عشرة سنة أي: قريبا من تمامها وأنا ابن خمس عشرة يعني: في أولها، فإذا كان في أحد في أول الرابع عشر وفي الخندق في آخر الخامس عشر فيلتقي أول الرابع عشر وآخر الخامس عشر يلتقيان في شهر واحد فيصح، هذا وجه.

الوجه الثاني: أن يكون معنى قوله: «وأنا ابن خمس عشرة» أي: قد بلغتها، فلا ينافي أني كون زائداً عنها وعلى هذا فلا إشكال، وقوله: «عرضت عليه وأنا ابن أربع عشرة» يعني: عرضت عليه لأكون مقاتلاً، فلم يجزه النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه لا يجوز أن يمكن من مل يبلغ من القتال لعدة أوجه:

منها: أن من لم يبلغ لا يتمكن من تحمل القتال، لأن حتى الآن لم يكن شيئاً بل يمكن من أول ما يهجم العدو يفر وفي هذا من الضرر ما فيه.

ومنها: أنه ربما يكون لقمة سائغة للعدو فيأسره ويكون أسيراً عندهم وربما ارتد عن الإسلام؛ لأن صغير، والصغير يتكيف حسب ما يوجه إليه.

ومنها أيضاً: أنه ليس فيه قوة على الهجوم لضعفه، وهذا ليس هو معنى الوجه الأول؛ لأن الوجه الأول يفر، وهذا لا يهجم، لأنه صغير، وإذا لم يستطع الهجوم، وصار حائلاً بين العدو وبين البالغين صار في هذا مفسدة، ولهذا نقول: إن ذهاب الصغر إلى القتال خطأ عظيم، المسألة ليست جمع رجال فقط بل المسألة جهاد، فإذا لم يكن أهلاً للجهاد فإن يجب منعه حتى وإن كان عاقلاً فاهماً، إذن يقول: «فلم يجزني» لأنه غير أهل للقتال، «وعرضت عليه يوم الخندق» وكانت في شوال سنة خمس وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني، يعني: رخص لي في الغزو.

وهذا الحديث الذي في الصحيحين ليس فيه الإشارة إلى أن البلوغ يكو بخمس عشرة سنة، بل فيه دليل على أن الإنسان إذا بلغ خمس عشرة سنة صار أهلاً للقتال، وما دونها ليس بأهل، هذا ما يدل عليه الحديث، لكن رواية البيهقي تدل على أن سبب الرد أنه لم يبلغ، وسبب القبول أنه بلغ، وعلى هذا فتكون السن الخمس عشرة من علامات البلوغ.

من فوائد الحديث: أنه يجب على أمير الجيش أن يفتقد الغزاة، وألا يأخذ كل من هب ودب، ولذلك يمنع الصبيان، ويمنع من لا يصلح للقتال، ويمنع الخذل، ويمنع المرجئ المخذل الذي يخذل الناس، والمرجئ الذي يقول: عدوكم كثير ليس لكم به طاقة، فيجب على ولي الأمر في الغزو أن يمنع مثل هؤلاء ويجب عليه أن يتفقد الغزاة قبل الشروع في الغزو.

ومن فوائده: أنه يجب رد من لا يصلح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رد عبد الله بن عمر رضي الله عنه في أحد مع أن الصحابة يحرصون على أن يجاهدوا، حتى جاء رجل أعرج يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في

<<  <  ج: ص:  >  >>