المدينة ثلاث قبائل وهم: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة، ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم عاهدهم جرى بينه وبينهم عهد، ولكنهم نقضوا العهد وكان آخرهم بنو قريظة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم حينما رجع من الأحزاب وألقى عدة الحرب جاءه جبريل وأمره أن يخرج إلى غزو بني قريظة؛ لأنهم خانوا العهد حينما تمالئوا مع الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم وحاصرهم نحو خمس وعشرين ليلة، وطال الحصار، ثم طلبوا النزول على حكم سعد بن معاذ لأن سعد بن معاذ كان حليفاً لهم، فظنوا أنه سيفعل فيهم كما فعل عبد الله بن أبي ببني النضير؛ لأن عبد الله ابن أبي كان حليفاً لبني النضير وتوسط فيهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فظنوا أن سعد بن معاذ يفعل كفعله يكون شافعاً لهم؛ لأنه حليفهم، ولكنه رضي الله عنه كان قد أصيب في أكحله يوم الخندق، والأكحل عرق في الإبهام وينزف دم وضرب له النبي صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب رضي الله عنه؛ لأنه رجل فاضل هو سيد الأوس، وهو الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم:«لمناديل سعد في الجنة خير من هذا» في خرقة حرير، وقال: إنه لما مات اهتز له عرش الرحمن عز وجل في هذا يقول حسان بن ثابت: [الطويل].
(وما اهتز عرش الله من أجل هالك ... سمعنا به إلا سعد أبي عمرو)
نزلوا على حكمه، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم من يأتي به من المسجد، فجيء به على حمار، فلما أقبل قال النبي صلى الله عليه وسلم:«قوموا لسيدكم» يقوله للأوس، فقاموا إليه وأنزلوه من الحمار ونزل، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم: أن بني قريظة جعلوه حكماً، فقال: يا رسول الله، حكمي نافذ على هؤلاء يشير إلى اليهود؟ قال:«نعم» و «على هؤلاء» ولكنه رضي الله عنه خجل أن يتجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: حكمي عليكم؛ يعني: لم يلتفت إجلالاً للرسول صلى الله عليه وسلم، لا يحب أن يكون حكمه هو على الرسول صلى الله عليه وسلم:«لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع أرقعة» ثم نفذ هذا الحكم؛ وكان رضي الله عنه حينما أصيب في أكحله يوم الخندق قال: اللهم لا تمتني حتى تقر عيني في بني قريظة، فأقر عينه، وأي قرار عين من أن يكون هو الحكم فيهم، حكم فيهم هذا الحكم الموافق لحكم رب العالمين، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتلوا، وكانوا نحو سبعمائة نفر، فقتلوا كلهم وسبيت نساؤهم