هؤلاء الثلاثة هم الذين تحل لهم المسألة ومن عداهم لا تحل له المسألة، هذا الحديث يبين خطر المسألة وأنها لا تحل إلا في حال الضرورة، وذلك لأن المسألة ذل للسائل وإحراج للمسئول ففيها مفسدتان مفسدة للسائل، يقول: أعطني، ومفسدة للمسئول فيه إحراج، قد يكون المسئول ليس عنده شيء، وقد يكون غير متقاد لإعطاء هذا السائل وقد يكون هناك أسباب كثيرة لا يمكن أن يعطي وإذا سئل فأكثر الناس يخجل أن يمنع إذا سئل فلهذا حرم النبي صلى الله عليه وسلم المسألة إلا في حال الضرورة، وذلك كما قلت أنها ذل للسائل وإحراج للمسئول لكن في حال الضرورة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لذلك ثلاثة أمثلة: الأول: «رجل تحمل حمالة» أي: تحمل حمالة لمصلحة عامة فهذا يسأل وإن كان غنياً، لماذا؟ لأنه قام بمهمة ومصلحة عامة فيشجع على ذلك ويعطي ما غرم، وهذا ما يعرف عند أهل العلم في باب الزكاة بالغارم لغيره، فهذا يعطي من أجل ما قام به من المصلحة، ومن أجل تشجيعه وغيره على القيام بمثل هذا الأمر، وهذا ليس في الحقيقة ضرورة، لأن الرجل غني لكن من أجل مراعاة المصلحة العامة حتى لا يسند باب التحمل والإحسان إلى الناس.
الثاني: الرجل الذي أصابته جائحة اجتاحت ماله فهذا تحل له المسألة، لأنه أصابه ذل بعد عز وانكسار بعد جور ولو لم تحل له المسألة لحصل له نكسة نفسية؛ لأنه كان بالاول على جانب كبير من العز من المال الذي يعتز به ثم بعد يصاب بهذه الجائحة، فمن أجل جبره رخص له الشارع أن يسأله وإلا لكان الأصل ألا يسأل الثالث: رجل أصابته فاقة وإن لم يكن باجتياح ماله قد تكون جائحة لكن خسارة من وراء خسارة حتى ينفد المال، هذا تحل له المسألة، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم اشترط لإعطائه شرطاً وهو أن يشهد ثلاثة من ذوي الحجى من قومه، الحجى يعني: العقل والتمييز والخبرة لقد أصابت فلاناً فاقة فهذا يعطي.
ففي هذا الحديث عدة فوائد: أولاً: تحريم مسألة الغير لقوله: «لا تحل المسألة» وإذا انتفى الحل ثبت التحريم لأنه ضده.
ومن فوائد هذا الحديث: حماية الشارع لعزة الإنسان وشرفه؛ وذلك لأن السؤال- كما قلت- ذل، فحرم عليه أن يسأل ليبقى عزيز النفس قد حفظ ماء وجهه ولم يحتج لأحد من الناس.
ومن فوائد الحديث: أنه لا ينبغي للإنسان أن يسأل ولا غير المال؛ لأن المعنى الحاصل بسؤال المال حاصل في غيره، وإن كان لا يساوي الذل الحاصل بسؤال المال، ومن ثم قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الإنسان إذا سأل غيره أن يدعو له فهو من المسألة المذمومة إلا إذا قصد بذلك مصلحة الغير، كيف ذلك؟ يعني: يقصد بذلك أن هذا الغير إذا دعا لك بظهر