الغيب انتفع هو؛ لأن الملك يقول: آمين ولك بمثله، وهذا مصلحة له، فإذا قصد بذلك مصلحة غيره من هذه الناحية فإنه لا يدخل في المسألة المذمومة؛ لأنك لا تريد مصلحتك الخاصة، إنما تريد مصلحتك مع مصلحة هذا الرجل، كذلك أيضا يلاحظ مصلحة الغير بحصول الأجر له؛ لأنه إذا دعا لك فقد أحسن إليك، وإذا أحسن إليك ناله من الأجر بقدر إحسانه، فيكون هذا أيضا ملحوظاً يفيد ذم المسألة، أما إذا قصد مصلحته الخاصة كما هو المتبادر لكل إنسان طلب من غيره أن يدعو له فهذا يقول فيه شيخ الإسلام أنه من المسألة المذمومة.
ولكن قد يقول قائل: أليس قد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عدة مرات أن يدعو للغير؟
فنقول: بلى فقد سألته المرأة التي كانت تصرع أن يدعو الله لها فقال: «إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله لك» قال: أصبر ولكن ادع الله لي ألا أتكشف، فدعا لها، أقرها النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وكذلك الرجل الذي دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة فقال: هلكت الأموال، وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا، ولما حدث أن من أمته سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب قام عكاشة بن محصن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، والأمثلة في هذا كثيرة، فهل نقول: إن مثل هذه الأدلة ترد على شيخ الإسلام ابن تيمية، أو نقول: إن هناك فرقاً بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين غيره؟ الظاهر الثاني.
وأما مسألة طلب الدعاء للمصلحة العامة فهذا لا يدخل في كلام شيخ الإسلام؛ لأن الإنسان لم يسأل لنفسه؛ فلو جاء رجل إلى الخطيب يوم الجمعة وقال:«ادع الله أن يغيث المسلمين» فهذا ليس من السؤال المذموم؛ لأنه ليس خاصاً، بل هو لمصلحة الغير كما لو قلت لشخص: تصدق على فلان فإنه فقير فإنه لا يدخل في المسألة المذمومة.
ومن فوائد الحديث: جواز السؤال لمن تحمل حمالة لكن بشرط أن يكون بقدر ما تحمل لقوله صلى الله عليه وسلم «تحمل حمالة حتى يصيبها ثم يمسك».
ومن فوائد الحديث: أن من أخذ لسبب يقتضي الأخذ فإنه يقتصر على ذلك السبب فقط، وجهه أنه قال:«حتى يصيبها ثم يمسك» وبناء على ذلك لو أن رجلاً مديناً أخذ الزكاة لقضاء دينه فإنه لا يصرفها في غير قضاء الدين؛ لأنه أخذها لهذا الغرض، وقد مر علينا هذا وأخذناه من قوله تعالى:{والغارمين} عطفاً على قوله: {وفي الرقاب} وأن صرف الزكاة للغارم صرف إلى جهة لا يملكها الغارم، فإذا أعطي للغرم فإنه لا يصرفه في غيره؛ لأنه أعطي لجهة معينة.