للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مطل الغني ظلم، فإذ كان ظلما كان لصاحب الحق أن يطالبه لأنه صاحب حق، على هذا فلا يجوز أن نلوم صاحب الحق إذا طالب بحقه من له مطالبته، وما يجري على ألسنة بعض الناس من كونهم إذا رأوا الشخص يطالب غيره بحقه لاموه، وقالوا: عندك حلال كثير، لماذا تطالب؟ فنقول: ما دام الحق له فهو غير ملوم، ولهذا جعل الله تعالى من استعمل حقه غير ملوم فقال: {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} [المؤمنون: ٦] فلا يجوز أن يلام شخص يطالب بحقه.

ومن فوائد الحديث: جواز الدعاء على المماطل الغني، وأن دعوة من مطله حرية بالإجابة، لأنه إذا ثبت أن مطل الغني ظلم كان الممطول مظلوماً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل: «اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب».

ومن فوائد الحديث في قوله: «وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع» جواز الحوالة وأنها ليست من الربا؛ لأنها عقد إرفاق فهي كالقرض ولو كانت عقد معاوضة لم تصح، لأنها بيع دين بدين، ولأنها ربا إذا كانت في أموال ربوية، ولكن لما كان المقصود بها الإرفاق صارت جائزة، مثلا أنا أطلب شخصاً مائة ريال وآخر يطلبني مائة ريال، فإذا أحلت الطالب لي على الذي أنا أطلبه جاز ذلك مع أنني لو بعت عليه ما في ذمة المطلوب لي كان البيع حراماً وفاسداً، لأنني بعت دينا بدين على غير من هو عليه، حرام كما سبق، ولأني بعت بدراهم بدراهم بدون قبض فلا يجوز، لكن الحوالة تجوز مع أن حقيقتها أنني بادلتك بالدين الذي لي بالدين الذي علي، وهذا هو البيع، ولكن لما كان المقصود بها الإرفاق صارت جائزة كالقرض، أرأيت لو أعطيتك قرضا مائة ريال ثم أوفيتني بعد شهر أليس هذا جائزاً؟ نعم، ولو اشتريت منك مائة ريال بمائة ريال إلى أجل لكان هذا حراماً، والفرق بينهما لأنني في الأول قصدت لإرفاق، وفي الثاني قصدت المعاوضة والاكتساب، والحوالة نفس الشيء لما كان المقصود بها الإرفاق صارت جائزة، ولو كان المقصود بها المعاوضة صارت حراماً، ولهذا لو أحلت بفضة على ذهب كان ذلك حراماً، لأن هذه معاوضة اختلف الجنس، ولو أحلتك ببر على شعير كان ذلك أيضا حراماً؛ لأنه معاوضة بيع، ولو أحلتك بمائة على مائتين كان ذلك حراماً لأنه صار معاوضة، مثال: أن تطلب مني مائة وأنا أطلب شخصا مائتين فقلت: أحلتك بالمائة التي تطلبني على المائتين التي أطلب هذا الشخص، كان ذلك حراماً لماذا؟ من أجل الزيادة صارت معاوضة تحولت من إرفاق إلى اكتساب والعكس لو أحلتك بمائة على ثمانين الصحيح جوازها؛ لأن هذا إرفاق وزيادة وليس فيه ربا، المسألة الأولى: إذا أحلتك مائة على مائتين فيها ربا لكن

<<  <  ج: ص:  >  >>