للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكلم بمعناه، والدليل على هذا ما حكه الله عز وجل عن الرسل السابقين، وعن أقوامهم فإن الله يقول: {وإذ قال موسى ... }، {وقال نوح رب لا تذر على الأرض} [نوح: ٣٣] ومن المعلوم أن نوحاً لم يقل هذا اللفظ؛ لأن لغة نوح غير عربية، ولأنه لو كان هذا هو لفظ نوح لكان معجزاً لأن هذا اللفظ معجز، بل هذا اللفظ كلام الله نقله عن نوح بمعناه، كذلك قول فرعون للسحرة ولموسى ولومه وكذلك محاورتهم له، كل هذا إنما نقل بالمعنى، ومع ذلك يضيفه الله إليهم صراحة، فهكذا الحديث القدسي؛ ولأنه لو كان الحديث القدسي كلام الله لفظاً لوجب أن يساوي القرآن في أحكامه، لماذا؟ لأن الشريعة لا تفوق بين متماثلين ولو كان لفظ الرب عز وجل لكان كالقرآن سواء، ثم نقول أيضا: لو كان كلام الله لفظاً لكان أعلى سنداً من القرآن، لأن القرآن نزل بواسطة من نزل به؟ جبريل، والحديث القدسي ينسبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه بدون واسطة يقول: «قال الله» فإذا قال قائل: يمكن أن يقول: «قال الله» وهو بواسطة جبريل، نقول: الأصل أن ما أضافه الرسول إلى ربه مباشرة بدون ذكر الواسطة أنه من الله إلى الرسول، ولهذا لو أن رجلاً من الثقات الذين لا يعرفون بالتدليس قال: قال كذا وكذا ثم أسند الحديث، هل يحمل كلامه على أنه دلس وأسقط رجلا بينه وبين من روى عنه؟ لا، لكن لو رواه المدلس لكان يحتمل سقوط راو بينه وبين من أسند الحديث إليه، والمدلس إذا لم يصرح بالتحديث فإن حديثه محمول على الانقطاع على أن بينه وبين من روى عنه رجلا أسقطه، وغير المدلس إذا قال: قال فلان يحمل على الاتصال وأنه ليس بينهما أحد، ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم منزه عن أن يكون مدلساً، فإذا قال: «قال الله» فهو بدون واسطة.

على كل حال: هذا الحديث يقول الله عز وجل: «أنا ثالث الشريكين» ولم يقل: ثاني الشريكين، لأن القاعدة في اللغة العربية أنه إذا كان ثالث الاثنين من غير الجنس فإنه لا يذكر بلفظ مطابق، وإذا كان من الجنس فإنه يذكر بلفظ مطابق، ولنضرب مثلاً في غير هذا الحديث، لو قيل: فلان رابع أربعة ماذا يكون؟ من جنسه ولو قيل: رابع ثلاثة صار من غير جنسه، ولهذا قال الله تعالى: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} [المجادلة/٧] ولم يقل: إلا هو ثالثهم وقال عن النصاري: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} [المائدة: ٧٣] ولم يقل ثالث اثنين، لماذا؟

لأنهم يجعلون الله ومريم وعيسى سواء، يجعلون الكل جنساً واحداً، وقال تعالى: {وإذا أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين} [التوبة: ٤٠] لماذا قال ذلك؟ لأنهم من جنس واحد، فهنا قال: «ثالث الشريكين» لأنه-سبحانه وتعالى- لا مثيل له، فقال: «ثالث الشريكين» كما قال: {إلا هو رابعهم} بماذا يكون ثالث الشريكين؟ بالتسديد والتوفيق، وإنزال البركة في بيعهما وشرائهما وشركتهما، وإلا فمن المعلوم أنه ليس ثالثهما يبيع ويشتري معهما كلا، ولكن

<<  <  ج: ص:  >  >>