ورابعا: قال المتأخرون المعاصرون (الأطباء): دم الحيض لا يتجلط، ودم الاستحاضة يتجلط - يعني: يتخثر، أي: يجمد-، ودم الحيض لا يجمد سائل، وعللوا ذلك بتعليل طبي أن دم الحيض عبارة عن انفجار كرات الدم في قاع الرحم بعد تصلبها في الرحم فلا تعود مرة أخرى إلى التصلب بخلاف دم الاستحاضة فإنه لم يسبق أن يتجمد فلذلك يتجمد إذا خرج كسائر الدماء، الإنسان لو جرح أصبعه ثم تخثر الدم تجمد، فهذه أربعة فروق، إذن النبي - عليه الصلاة والسلام- فرق بين الدمين، قال:"فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة" يعني: لا تصلي، "وإذا أدبرت" معنى أدبرت: إن كانت معتادة يعني انقضت أيام عادتها، وإن كانت غير معتادة ولا تمييز انقطع الدم الأسود التخين المنتن "فاغسلي عنك الدم ثم صلي"، الدم" يعني دم الحيض، وهذا يعني ان تطهر منه ولابد أيضا أن تغتسل، "ثم صلي ما أدركت وقته"، قال وللبخاري: "ثم توضئي لكل صلاة"، وأشار مسلم إلى أنه حذفها عمدا، ولكن الصواب مع البخاري ... "توضئي لكل صلاة"، هل المراد لوقت كل صلاة، أو لكل صلا تصليها حتى لو كانت تريد أن تجمع بين الصلاتين فلابد أن نتوضأ للصلاة الأولى والصلاة والثانية؟ فيها احتمالان؛ ولكن الأول هو الراجح أي: لوقت كل صلاة.
من فوائد هذا الحديث: أن نساء الصحابة - رضي الله عنهن- لا يمنعهن الحياء من الفقه في الدين، والسؤال عنه.
ومن فوائده: أنه قد تقرر أن الحائض لا تصلي؛ لقولها: "أفأدع الصلاة؟ " وهذا بإجماع العلماء، أجمع العلماء على أن الصلاة لا تجب على الحائض، وتحرم عليها ولا تصح منها، ولا يجب عليها قضاؤها، هذا بالإجماع، وظاهر الحديث صلاة الفريضة، والنافلة وهو كذلك، لأن ما ثبت في الفرض ثبت في النفل إلا بدليل.
ومن فوائد هذا الحديث: الاقتصار في الجواب على ما يفيد لقوله: "لا" ولم يقل: لا تدعي الصلاة؛ لأن "لا" تكفي وخير الكلام ما قل ودل، ومثله: "نعم" في الإجابة.
ومن فوائد هذا الحديث: حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في قرنه العلة بالحكم تؤخذ من قوله: "إنما ذلك دم عرق"، ووجه كون هذا حكمة: أن الحكم إذا علل ببيان علته ازداد الإنسان به طمأنينة في الحكم وينشرح به صدره.
ومن فوائده - أي: من فوائد قرن العلة بالحكم-: أن الإنسان يعرف بذلك سمو الشريعة، وأنها لا تحلل ولا تحرم ولا توجب إلا لحكمة، لكن من الحكم ما نعلمها ومنها ما لا نعلمه.
الفائدة الثالثة: أن العلة إذا كانت وصفا صار الحكم أعم لأنه يتناوله كلما كانت فيه هذه العلة، وانظر إلى قوله تعالى: {قلا لا أجد في ما أوحى إلي محرما على طاعم يطعمه إلا ان يكون ميتة أو دما