فلا يمكن أن نقيس المجاور على المشترك؛ لأن من شرط القياس تساوي الأصل والفرع، إذن فالجار انتفي أن يكون له حق الشفعة بمتضى النص ومقتضى القياس فلا شفعة له.
القول الثاني: أن للجار شفعة، وأخذوا بعموم الحديثين:"الجار أحق بصقبه"، والثاني:"جار الدار أحق بالدار" وقالوا: هذا عام، والمنطوق في حديث جابر لا يعارضه؛ لأن المنطوق في حديث جابر ما هو؟ ثبوت الشفعة في المشترك، مفهومه عدم ثبوتها في عدم المشترك، والمنطوق عند أهل العلم مقدم على المفهوم، كون الجار لا شفعة له نستدل عليه من حديث جابر بالمفهوم، ونستدل على ثبوت الشفعة له بالمنطوق في الحديثين الأخيرين، والقاعدة عند الأصوليين أنه إذا تعارض المنطوق والمفهوم فإنه يقدم المنطوق؛ لأن دلالته أقوى، إذن فللجار حق الشفعة مطلقًا.
القول الثالث: قول وسط يأخذ بالحديثين فيقول: إذا كان بين الجارين حقوق مشتركة كالطريق والماء وما أشبه ذلك من الحقوق فللجار أن يشفع، وإن لم يكن بينهما حقوق مشتركة فليس للجار شفعة، وهذا القول اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الصحيح؛ لأن هذا القول دل عليه النص والمعنى، واجتمعت به الأدلة، فالنص حديث جابر:«الجار أحق بجاره إذا كان طريقهما واحدًا» وحديث جابر أيضًا الذي صدر به المؤلف الباب، "فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة"، فيفهم منه أنه إذا لم تصرف الطرق فالشفعة ثابتة وإن وقعت الحدود؛ لأنه بوقوع الحدود يكون الشريك جارًا وبتصريف ينفصل انفصالاً تامًا، فيفهم منه أنه إذا لم تصرف الطرق فإن الشفعة ثابتة، وهذا القول به تجتمع الأدلة كما عرفتم، وهو الصحيح.
إذا قال قائل:"إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق" خاص بالأرض وشبهها فما تقولون إذا كان الجوار في منقول؟
نقول: إذا كان الجوار في منقول فلا أحد يقول بالشفعة فيه، يعني: لو أضع مسجلي إلى جنب مسجله ثم أبيعه هل تشفع؟ لا، لا أحد يقول بهذا، وعلى هذا فتكون الشفعة للجار خاصة في العقار، أما المنقول فلا أحد يقول فيه.
في الحديث الأخير قال:«ينتظر بها وإن كان غائبًا» يستفاد منه: أن الشفعة لا تسقط بطول المدة؛ لقوله:"ينتظر بها"، فإذا كان الجار غائبًا وكان بينهما طريق مشترك فإن الشفعة لا تسقط ينتظر بها، ولكن إذا علم بها الشريك بالبيع فهل له أن يؤخر حتى ينتظر ويتروى ويفكر أو يحصل الثمن إن كان ليس عنده، أو نقول: إما أن تأخذ الآن وإما أن يسقط حقك؟ ظاهر