تقول: لا؛ لأني أنا وأنت شركاء فيها، كذلك لو أردت أن أستوقد منها أتيت مثلاً بعود من الحطب لأستقود من نارك لك الحق أن تمنعني من ذلك لأنني شريك معك، لماذا؟ لأن هذه النار هل هي بفعلك أو بفعل الله؟ بفعل الله عز وجل، ما تستطيع أن توقدها أبدًا لو أنفقت ما في الأرض كلها، لم تستطيع أن توقد شررة منها، فالله تعالى هو الذي أنشأها، فإذا كان كذلك فالناس فيها شركاء.
إذن الناس شركاء في هذه الثلاث: الكلأ، والثاني: الماء، والثالث: النار، أما ما حازه الإنسان من الكلأ، وما حزه من الماء، فهو ملكه، فلو حششت الكلأ وأودعته في بيتك، فهل الناس شركاء لك فيه؟ لا؛ لأنك ملكته، وكذلك لو استسقيت من الماء ووضعته في السقاء أو في الجالون فهو ملكك، لا أحد يشركك فيه؛ لأنك حزته، وكذلك الحطب لو احتطبته وأدخلته في بيتك، فإنه يكون ملكًا لك، لا أحد يشاركك فيه، هل نقول: وكذلك لو عبأت نارًا؟ أنا لا أدري إذا كان يمكن أن يخزن اللهب، لكنك إذا استطعت تخزينه صار ملكًا لك، أما الغاز فهو وقود مثل الحطب.
قوله:«غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم» يستفاد من هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يشح بنفسه أن يغزو مع الصحابة، بل كان الرسول صلى الله عليه وسلم لولا أنه يراعي بعض أصحابه الفقراء الذين لا يجدون ما يحملهم عليه ما ترك غزوة إلا خرج معها، لكن الغزوات الكبار يحضرها ولابد.
ومن فوائد الحديث: أن الناس شركاء في هذه الأمور الثلاثة، وهذه دلالة المنطوق في الحديث، مفهومه: أن الناس ليسوا شركاء فيما سواها، وأن كل إنسان يملك ملكًا خاصًا، فهو له لا يشاركه في أحد، فيكون في هذا الحديث رد لقول من استدل به على ثبوت الاشتراكية في الإسلام؛ لأنه كان في زمن من الأزمان يدندن الاشتراكيون حول هذا الحديث، ويقولون: إن الاشتراكية من الإسلام، حتى قيل في خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم: والاشتراكيون أنت إمامهم! !
وكذبوا في ذلك، أنا أقول: هذا الحديث الذي استدللتم به الآن على الاشتراكية هو في الحقيقة دليل عليكم؛ لأن تخصيص الاشتراك في ثلاث يدل على انتفاء الاشتراك فيما وساه، وهذا هو إثبات الملكية الخاصة، وهذا من حكمة الله أن كل مبطل يستدل بدليل صحيح على باطله فإن الدليل يكون دليلًا عليه، وليس دليلاً له، ولهذا التزم شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "درء تعارض العقل والنقل" أو ما يسمى بالعقل والنقل، التزم انه ما من شخص يستدل بدليل صحيح على باطل إلا كان الدليل عليه لا له؛ فحينئذٍ نقول: هذا دليل على بطلان الاشتراكية.