ومن فوائد الحديث: اتهام الرأي الإنسان لا يعجب برأيه، بل يتهم رأيه فهذا هو الذي أمر به عمر رضي الله عنه قال: أيها الناس اتهموا الرأي ثم استشهد بذلك بما جرى منه في صلح الحديبية حيث عارض النبي صلى الله عليه وسلم في الشروط التي اشترطها على نفسه مع الكفار؛ لأن عمر في صلح الحديبية تأثر من الشروط وناظر الرسول صلى الله عليه وسلم وناقشه قال له: ألست كنت تحدثنا أننا نطوف بالبيت؟ قال: بلى ولكن هل قلت: أنك تطوف به هذه السنة؟ قال: لا قال: إنك آتيه ومطوف به وقال له: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قال: لم نعطي الدنية في ديننا؟ لماذا نقول: من جاء منكم مسلمًا رددناه إليكم ومن جاءكم منًا فلا تردوه علينا؟ وهذا فيه غضاضة في ظاهره فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:«أما من جاءنا منهم مسلمًا ورددناه فإن الله سيجعل له فرجًا ومخرجًا، وأما من ذهب منا إليهم فهو الذي اختار لنفسه هذا» هذا معنى الكلام في الجملة الأخيرة، ثم قال له:«إني رسول الله وليست عاصيه وهو ناصري»، ثم ذهب عمر إلى أبي بكر وناقشه في ذلك، فكان جواب أبي بكر كجواب النبي صلى الله عليه وسلم سواء بسواء، الآن كان عمر عند المناقشة يرى أن رأيه أصوب، ولكن كان ما سلكه النبي صلى الله عليه وسلم هو الصواب، فالمهم: أنه ينبغي للإنسان أن يتهم رأيه مهما كان من الذكاء والفطنة فهو ناقص.
ففيه: فضيلة عمر في استشارته النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيه أيضًا: منقبة لعمر، حيث اختار أن يخرج أنفس ماله لله عز وجل لقوله:«لم أصب مالاً هو أنفس عندي منه» وهكذا كانت عادة الصحابة - رضي الله عنهم - إذا رأوا المال الذي يعجبهم تصدقوا به ويتأولون قول الله عز وجل:{لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}[آل عمران: ٩٢]. وأبو طلحة رضي الله عنه لما نزلت هذه الآية كان له بستان قريب من مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وكان فيه ماء طيب عذب يأتيه الرسول صلى الله عليه وسلم ويشرب منه ولما نزلت هذه الآية وإذا أحب ماله إليه هذا البستان ببرحاء فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله، إن الله تعالى أنزل قوله:{لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}. وإن أحب مالي إلي ببرحاء وإني أخرجه صدقة إلى الله ورسوله قال النبي صلى الله عليه وسلم:«بخ بخ ذاك مال رابح ذاك مال رابح» صحيح هذا الربح ليس الربح أن تنمي مالك لوارثك ثم قال: أرى أن تجعلها في الأقربين فأوقفها أبو طلحة في قرابته وبني عمه وهكذا عمر رضي الله عنه هذا المال أنفس ماله عنده ومع ذلك استشار النبي صلى الله عليه وسلم أن يضعه.
ومن فوائد الحديث: أنه يجوز للإنسان أن تتعلق نفسه بشيء من ماله لأن أنفس يعني: