أطيب وأغلى، وهو مأخوذ من النفس بأن النفس تتعلق به، فإذا تعلقت نفسك بالمال فهذا من طبيعة الإنسان، ولولا طبيعة الإنسان وتعلق نفسه بالمال ما كان للإنفاق فائدة، لأن إنفاق ما ليس بمحبوب أمر سهل، لكن الحقيقة أن المحك هو أن تنفق شيئًا محبوبًا لك فحب الإنسان للمال أمر طبيعي لا يلام، عليه وإذا أدي ما أوجب الله عليه فيه فقد سلم منه.
ومن فوائد الحديث: حسن تعبير الرسول صلى الله عليه وسلم لأن قول عمر: مرني ماذا أفعل بها؟ لو أن الرسول صلى الله عليه وسلم تابعه على تعبيره وقال: أفعل كذا لكان ذلك على سبيل الوجوب لكنه خرج من ذلك بقوله: «إن شئت حبست أصله» لئلا يلتزم عمر بما لا يلزمه من أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن فوائد الحديث: ثبوت هذا النوع من التصرف وهو حبس الأصل وتسبيل المنفعة ويسمى عند العلماء: الوقف لأن هذا تصريف غريب، العادة أن الإنسان يتصرف في الشيء يخرجه من ملكه، لكن هذا لم يخرج من الملك على سبيل الإطلاق، بل خرج خروجًا مقيدًا لأن أصله ثابت، ولكن ثمرته غير ثابتة يستغلها من هي له استغلالاً كاملاً ويملكها ملكًا مطلقً،
ومن فوائد هذا الحديث: جواز تحبيس الإنسان ماله وإن لم يملك سواه يعني: يجوز للإنسان أن يوقف جميع أملاكه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل لم يقل لعمر: هل لك مال غيره؟ فلما لم يستفصل علم أن الحكم عام، ومن القواعد المقررة في الأصول أن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقام، ولكن يستثى من ذلك ما إذا كان الإنسان في مرض الموت المخوف، فإنه لا يملك أكثر من الثلث، ودليل ذلك أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق بثلثي ماله منعه فقال: بالشطر فمنعه، فقال: بالثلث فقال: "الثلث والثلث كثير إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالةً يتكففون الناس" فهذا دليل على أن الإنسان المريض مرض الموت المخوف لا يملك أكثر من الثلث.
ومن فوائد الحديث: الإشارة إلى أن الوقف مبني على البر؛ لقوله:"تصدق" والصدقة بذل المال تقربًا إلى الله عز وجل وعلى هذا فلو وقف على جهة إثم فإن الوقف يقع باطلاً لو وقف بيته لأصحاب الأغاني والمعازف فالوقف باطل؛ لماذا؟ لأنه ليس على جهة بر بل هو جهة محرمة، لو وقف بيته على الأغنياء لم يصح؛ لأن الأغنياء ليسوا أهلاً للصدقة، لو وقفه على القرابة وفيهم أغنياء صح لأن صلة القرابة بر وعبادة، لو وقف هذا الماء على المارين بالشارع صح، ولو مر في الشارع كفار لا يضر لأنهم يأتون تبعًا؛ ولهذا لو وقف على أهل الذمة فقط ما صح؛ لأن أهل الذمة كفار لكن إذا وقف وقفًا عامً على المار به في الشارع فلا بأس.