الدليل الخاص فهو ثابت في الصحيح في قصة الرجل الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:«إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلى في بيت المقدس فقال: صل هاهنا فأعاد عليه، فقال: صل ها هنا فأعاد عليه الثالثة فقال له: شأنك إذن»، وهذا لا شك أنه تغيير للنذر، لكنه تحويل له من مفضول إلى أفضل قالوا: فإذا جاز تحويل النذر من المفضول إلى الأفضل فالوقف مثله؛ لأن الوقف التزام من الإنسان بأن يصرف المال إلى هذه الجهة فإذا جاز تحويل النذر إلى ما هو أفضل فكذلك تحويل الوقف، وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من أهل العلم وهو الصحيح، لكن يجب أن يقيد هذا بمراجعة القضاء - والمحاكم الشرعية - لئلا يتلاعب ناظر الأوقاف، فلابد من مراجعة المحاكم وإذا أقرت المحكمة هذا فلا حرج.
ومن فوائد الحديث: أنه لا تجوز هبة الوقف يعني: بدله تبرعًا بدون عوض لقوله: «ولا يوهب» حتى الواهب لا يجوز أن يهبه للموقوف عليه لأنه لو وهبه للموقوف عليه لملك عينه وجاز له أن يتصرف فيه، ولكنه يعطيه الموقوف عليه على أنه وقف لا على أنه هبة.
ومن فوائد الحديث: أن الهبة غير البيع، وجه ذلك: أنها عطفت على البيع، والأصل في العطف المغايرة؛ يعني: المعطوف غير المعطوف عليه، والغرض من هذا أننا إذا قلنا: إن الهبة ليست بيعًا فإنها لا توافق البيع في أحكامه يكون لها أحكام خاصة، فلو وهب الإنسان شيئًا بعد أذان الجمعة الثاني وهو ممن تلزمه الجمعة فالهبة صحيحة، ولو وهب شيئًا في المسجد فالهبة صحيحة ولو وهب شيئًا مجولاً فالهبة صحيحة، فالمهم أننا إذا قلنا: إن الهبة غير البيع صارت مفارقة له في أحكامه وهو كذلك.
ومن فوائد الحديث: حسن اختيار عمر رضي الله عنه في تصريف الوقف حيث وقفه على وجهات ينتفع بها المسلمون عمومًا، الفقراء، القربى، الرقاب، سبيل الله، ابن السبيل، الضيف، وإذا قارنا بين وقف عمر وأوقاف الناس اليوم تبين الفرق العظيم؛ أوقاف الناس اليوم يخصونا بالذرية ثم مع تخصيصهم إياها بالذرية يحصل بهذا من النزاع بين الذرية لصلب الواقف وبين ذرية الذرية ما يوجب أن تتقطع الأرحام بينهم وتحصل الشحناء والعداوة كما هو واقع فإنه يحصل بين العم في أوقاف جدهم مثلاً من النزاع والشحناء والعداوة ما يوجب التقاطع بينهم، فربما ينال الموقف من هذه العداوة والبغضاء شيء من الإثم لأنه السبب، وقد حكى لي بعض الناس أن بني عم تخاصموا في وقف لهم فقال أحدهم: لعنة الله على جد جمعنا في هذا الوقف! انظر كيف وصل به الأمر؟ لأنه أحس بشيء عجز أن يتحمله من العداوة والبغضاء والخصومات، لكن وقف عمر بعيد من هذا الذي يوجب النزاع.