للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النعمان فأخذ الصدقة منه وهي الغلام، وفي بعض الروايات أنها حائط، وجمع بينهما بأنها حائط وفيه غلام، وفي رواية لمسلم قال: «فأشهد على هذا غيري»، لأنه جاء به ليشهد النبي-صلى الله عليه وسلم- «أشهد على هذا غيري»، وفي رواية: «فإني لا أشهد على جور»، إذن فقوله: «أشهد على هذا غيري» للتوبيخ وليست للإباحة، ولا للوجوب ولا للاستحباب، ولكنها للتوبيخ، لأنه قال: "إني لا أشهد على جور" فإذا كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "أشهد على هذا غيري" فهذا يوبخه، ثم قال: «أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ » السرور معروف، سرور القلب وهو راحته وطمأنينته وانشراحه، "أيسرك أن يكونوا" يعنى: الأولاد، "لك في البر سواء؟ "، قال: "بلى" هنا واقعة موقع نعم، لأن الجواب في مثل هذا يكون "بنعم" في حال الإثبات إلا إذا كان الاستفهام داخلاً على نفي مثل: {أليس الله بأحكم الحاكمين} [التين: ٨]. فنقول: "بلى"، أما إذا كان الاستفهام داخلاً على الإثبات فإن جوابه إما نعم وإما لا، لكن قد تنوب بلى مناب نعم كما تنوب نعم مناب بلى فمن الأول هذا الحديث ومن الثانى قول الشاعر: "الوافر":

(أليس الليل يجمع أم عمرو ... وإيانا فذاك لنا تدانى)

(نعم وترى الهلال كما أراه ... ويعلوها النهار كما علاني)

الشاهد قوله: "نعم" في جواب: "أليس؟ "، والأصل أن يقال: "بلى"، وهذا الشاعر من أزهد الناس وأقلهم شوقاً وطمعاً، لأنه يكفيه من معشوقته أن يجمع الليل بينه وبينها ولو كانت هي في المشرق وهو في المغرب ما دام ترى الهلال وهو يرى الهلال، فذلك لهم تدان، ما أدرى هل عشقه إياها ضعيف؟ وإلا فهو رجل قنوع في الواقع، قال النبي - صلى الله عليه وسلم- لما قال له سعد: بلى أي نعم، قال "فلا إذن"، أي: فلا تعطه إذن، أي: في هذه الحال، أي: في الحال الذي يسرك أن يكونوا لك في البر سواء فلا تعطه من بينهم.

هذا الحديث كما ترون فيه هبة لكنها هبة حصل فيها مانع وهو عدم التسوية.

- ففي الحديث من الفوائد فوائد كثيرة:

أولاً: جواز عطية الوالد لولده، وأن ذلك يسمى عطية، وهذا خلاف النفقة، فإن النفقة إلزام على الأب أن ينفق على ولده كما قال الله تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} [البقرة: ٢٣٣].

<<  <  ج: ص:  >  >>