للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قال قائل: هل يلزمه أن يكتب هذا؟ قلنا: إن توقفت معرفة ذلك على كتابته وجب عليه؛ لأن ما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب، قال: «ثم عرفها سنة»، يعني: اطلب من يعرفها، هذا معنى التعريف، بأن يقول: من ضاعت له اللقطة، من ضاعت له الدراهم، من ضاعت له الأقلام، من ضاعت له الساعات؟ وما أشبه ذلك، ولكن هل يصفها عند التعريف؟ لا، لئلا يدعيها من ليست له لكنه يجملها، في هذا الحديث لم يقل الرسول (صلى الله عليه وسلم): اعرف عددها أو نوع ما فيها من النقود قد يكون فيها دولارات وقد يكون فيها ريالات تالفة فيقال: المفروض أن الواجد لا يفتحها لأنها أمانة وليس له الحق أن يفتحها، لكن إن قدر أنها تخرقت الخرقة أو تمزقت فحينئذٍ يعدها ويعرف عددها، وقوله: «عرفها سنة»، أي سنة هي؟ السنة العربية الإسلامية اثنا عشر شهراً وهذه السنة هي السنة التي وضعها الله لعباده {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [التوبة: ٣٦]. إلى يوم القيامة {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: ٣٦]. وهذه الأشهر هي الأشهر التي تتقيد بالأهلة لقول الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: ١٨٩]. إذن السنة اثنا عشر شهرا في كتاب الله والمراد بالشهر للشهر ما بين مطلع الهلالين بدليل قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: ١٨٩]. وبذلك نعرف سفه قوم من العرب المتأخرين حيث عدلوا عن التوقيت العربي الإسلامي إلى توقيت جاهلي نصراني؛ لأن التوقيت الذي يسمّى الميلادي مبني على ميلاد عيسى بن مريم (عليه الصلاة والسلام) فالذين وضعوه النصارى، ويا عجبا لقوم يقولون: إنهم عرب ثم ينتسبون أيضا إلى الإسلام ثم يعدلون عن التوقيت العربي الإسلامي إلى هذا التوقيت! وهذا -أيها الإخوة- يعطي الكفرة - من النصارى وغيرهم- زهوا وعلوا واستكباراً علينا، حيث عدلنا عن تاريخنا العربي الإسلامي إلى تاريخهم! والتاريخ ليس بالأمر الهين، بل إنه يعتبر عزا للأمة وفخر، فإذا انضم الناس إليه فإنهم بذلك يكسبونهم ويقولون: آل بهم الأمر إلينا، ولما كانت هذه الأمم العربية التي تُنسب للإسلام وتنطوي تحت لوائه، لما كانت مقهورة مستعمرة من الكفار فإنها قد تكون معذورة؛ لأن المغلوب المقهور لا يستطيع أن يتصرف، ولكن مع الأسف أنها حين تحررت من الاستعمار لم تُعد إلى أصلها وشرفها بالدين الإسلامي وبالتوقيت الإسلامي وبقيت على ما كانت عليه وهذا والله يندي له الجبين أن نكون أمة ذيلاً لغيرنا حتى في التاريخ الإسلامي نعدل عنه لنؤرخ بتاريخ نصراني، ولقد حدثني بعض الناس الذين قدموا للتدريس هنا وهم من غير السعوديين قال: والله ما عرفت الأشهر العربية إلا حين جئت لهذا البلد وهو يدرس، يعني: عمره ذهب منه جزء كبير، وهو لا يعرف الأشهر العربية الإسلامية،

<<  <  ج: ص:  >  >>