وتجارة، قال النبي (صلى الله عليه وسلم): وما لك ولها، يعني: أي شيء لك ولها يجمع بينكما حتى تأخذها وهذا يُراد بمثله أي: بمثل هذا التركيب البراءة منها وألا تأخذها وألا تقربها، ولهذا جاء الحديث بلفظ آخر:«دعها»، وفي بعض الروايات أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) غضب - عليه الصلاة والسلام - قال:«ما لك ولها؟ »، و «ما» هنا استفهامية مبتدأ، والجار والمجرور خبر المبتدأ، أو المراد بالاستفهام هنا: الإنكار، يعني: اتركها دعها ما لك ولها. «معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر» صحيح البعير معها السقاء والحذاء، السقاء هو: البطن لأنها إذا ملأت بطنها من الماء بقيت مدة طويلة ما تشرب حتى في أيام الصيف، وحذاؤها أي: خفها خف رجليها تتوقى به الشمس والحصى، فهي قوية صبور ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها، ترد الماء فتشرب، ولذلك الإبل إذا شربت تشرب حتى تروي ثم تتقدم عن مكان الماء، ثم تقف تتبول مدة من الزمن، ثم ترجع تشرب حتى تظن أنها ملأت البطن وأنه يكفيها لمدة أيام وتأكل الشجر؟ نعم، والحشيش أيضا تأكله، لكنه قال: تأكل الشجر لأن الغالب أن الشجرة تبقى خضراء، لكن الحشيش من حين أن يأتى الصيف ييبس، إنما الشجر يبقى أخضر غالبًا، فلهذا قال: تأكل الشجر، الشاة لا تأكل إلا الشجرة القصيرة إلا غنم الحجاز فغنم الحجاز، تأكل الشجر لأنها تصعد للشجرة، لكن الغالب أن الغنم لا تأكل الشجر إلا الشجر القصير.
قال: و «حتى يلقاها ربها»، أو هي تصل إلى ربها، يعني: يلقاها إما هو الذي يطلبها حتى
يجدها، أو هي تصل إليه.
هذا الحديث فيه فوائد عديدة: أولا: حرص الصحابة (رضي الله عنهم) على السؤال لأنهم يريدون أن يعبدوا الله على بصيرة، والإنسان الذي يريد ذلك لابد أن يسأل، فمن حرصهم كانوا يسألون النبي (صلى الله عليه وسلم) عن كل شيء.
ومن فوائده: أن الدين الإسلامي كما نظم العبادة وهي معاملة الإنسان بينه وبين ربه، فقد نظم المعاملة بينه وبين العباد، وذلك في المعاملات، فالدين الإسلامي ليس مقتصرا على العبادة التي بينه وبين ربه، ولكنه شامل منظم للحياة كلها، الحياة التي يتعامل الإنسان فيها مع ربه، والتي يتعامل فيها مع عباد الله، ومن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض فهو كافر به، كل من قال: أنا أعترف بالدين الإسلامي بما يتعلق بالعبادات فقط، وأما المعاملات فإنها من شئون البشر ينظمونها، وليس للدين فيها مدخل، من أعتقد هذا الاعتقاد فهو كافر حتى بدين العبادات، لأن الله تعالى يقول: {إنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً (١٥٠) أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً} [النساء: ١٥٠].