على أنها ذات أهمية قد جُعلت في وعاء وقد أوكي عليها الوكاء، وهذا يدل على أنها ذات أهمية، فإن كان الأمر كذلك فهو واضح، وإن لم يكن كذلك وجب أن يقيد إطلاق هذا بالحديث الذي قبله، وهو أنه إذا كانت اللقطة يسيرة لا يهتم بها عادة فهي لواجدها، ولا تحتاج إلى تعريف؛ لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال في التمرة: «لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها».
إذن لنا في هذا تخريجان: أحدهما: أن نقول إن هذا الحديث يدل على أن اللقطة ذات أهمية؛ لأنها ذات عفاص ووكاء، أو يُقال: إن كان مطلقا فيقيد بالحديث السابق.
ومن فوائد الحديث: أن أجرة التعريف على الملتقط لقوله: «عرفها» فالأمر موجه إلى الملتقط، وعلى هذا فإذا كان التعريف يحتاج إلى أجرة فالأجرة على الواجد؛ لأنه هو المطالب بالتعريف، فمثلاً: إذا وجد صرة فيها ألف درهم واستأجر مُعرفا بمائة درهم، فالمائة درهم على الواجد، وإذا وجد صاحب اللقطة أعطي الألف كاملة، وهذا ما ذهب إليه الفقهاء المتأخرون من أصحاب الإمام أحمد، وقالوا: إن الأجرة على الواجد، وقيل: بل الأجرة على صاحب اللقطة على رب اللقطة، وقالوا: لأن هذا التعريف من مصلحته، فهو الغانم، والغرم للغنم، فإذا كان هو الغانم، وجب أن يكون هو الغارم، وعلى هذا فتكون أجرة التعريف على رب اللقطة، وهذا القول هو الصحيح، لأن التعليل قوي، وإيجاب الشارع التعريف إنما هو من أجل حفظها على صاحبها، لأنه لو لم يُعرفها لم يتمكن صاحبها من الوصول إليها، فإذا كان التعريف لمصلحة صاحبها، فكيف يلزمني أن أقوم بما يعود إلى مصلحته؟ ! ، وهذا القول هو الصحيح: أن التعريف أجرته على صاحب اللقطة.
من فوائد الحديث: أن الواجد إذا تمت السنة فإنه يملكها ملكا تامًا لقوله: «وإلا فشأنك بهاه، ولكن إذا جاء ربها بعد السنة ووجدها قد تلفت فهل يضمنها الواجد؟ إذا قلنا: إن الواجد يملكها صار له سلطة عليها تامة بمعنى أنه إن شاء أكلها إن كانت تؤكل، وإن شاء استعملها بلباس أو غيره إن كانت تُلبس، وإذا كان له سلطة عليها تامة فكيف يُضمّن؟ ولهذا قال بعض العلماء: إنه إذا تمت السنة ولم يأت صاحبها فإنه لا يضمنها لصاحبها إلا أن تكون موجودة بعينها فيردها، أما إذا كان قد تصرف فيها فإنه لا يضمن، يعنى: مثل أن تكون ثيابًا لبسها وتمزقت، فإنه لا يضمن، لماذا؟ لأن الشارع ملكه إياها وأذن له أن يفعل فيها ما يشاء، فهي إذا تلفت تحت يده فقد تلفت بإذن من الشارع، «وما ترتب على المأذون فليس بمضمون»، أما