ومن الأدلة قوله تعالى:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}[الأنفال: ٧٥]. أولو الأرحام، يعني: الأقارب، وهذان دليلان أثريان، ومن الأدلة العقلية أن صلة الميت بذي الرحم أقوى من صلته بعموم المسلمين؛ لأن لذي الرحم قرابة، فهل من المعقول أن نجعل ماله في بيت مال المسلمين الذي ينتفع به عموم الناس، ونحرم خاله الذي هو من أقاربه؟ لا، ليس من المعقول، إذن فالدليل العقلي يدل على أن ذوي الأرحام وارثون؛ لأنهم أولى من بيت المال الذي يكون لعموم المسلمين؛ ولأن الخال ممن تجب صلتهم لأنه من ذوي الرحم وصرف مال الميت عنه إلى بيت المال هذا نوع من القطيعة، وإن كان الميت قد مات، وليس له التصرف في ماله، لكن هو نوع من القطيعة كيف نقطع قريبه ونصل بيت المال الذي يكون لعموم المسلمين، وربما لا يكون أيضا متصرفا على ما ينبغي، قد يكون بيت المال يتلاعب به الولاة ويصرفونه في معاصي الله، أو ما لا فائدة فيه.
فالصحيح أن ذوي الأرحام وارثون، لكنهم لا يرثون إلا بشرط ألا يوجد صاحب فرض ولا عاصب، فلو هلك هالك عن بنت وخال فللبنت النصف فرضا والباقي رداً، والخال ليس له شيء، ولو هلك هالك عن بنت وابن عم بعيد جدا لا يتفق معها إلا في الأب العاشر وعن خالة للبنت النصف فرضا والباقي لابن العم النازل والخالة ليس لها شيء؛ لأن معنا صاحب فرض وعاصب وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم): «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر».
كيف يرث ذوو الأرحام؟ يرثون بالتنزيل، يعني: أننا ننزلهم منزلة من أدلوا به فيأخذون ميراثه، مثاله: هلك هالك عن ابن أخت شقيقة وبنت أخ شقيق، ابن الأخت الشقيقة من ذوي الأرحام؛ لأنه أدلى بأنثى وكل من أدلى بأنثى من الحواشي فهو من ذوي الأرحام، هذه قاعدة معروفة، بنت الأخ الشقيق من ذوي الأرحام أيضا لماذا؟ لأنه كل أنثى غير الأخوات من الحواشي فهي من ذوي الأرحام، هذه أيضا قاعدة مفيدة، بنت العم من ذوي الأرحام، العمة من ذوي الأرحام، الخالة من ذوي الأرحام.
إذن عندنا قاعدتان: كل من أدلى بأنثى من الحواشي فهو من ذوي الأرحام، وكل أنثى من الحواشي فهي من ذوي الأرحام إلا الأخوات.
المثال الذي ضربنا: هلك هالك عن بنت أخيه الشقيق وابن أخته الشقيقة، نحن نقول: ننزلهم منزلة من أدلوا به، فبنت الأخ الشقيق مدلية بالأخ الشقيق، وابن الأخت الشقيقة مُدل بالأخت الشقيقة، فقدر أن الميت مات عن أخيه الشقيق وأخته الشقيقة كم تعطي الأخ الشقيق؟ نقسم المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، يعني: نعطي الأخ الشقيق اثنين من ثلاثة، والأخت الشقيقة واحدا من ثلاثة، أعطي من أدلوا بهم نصيبهم، فنعطي بنت الأخ الشقيق نصيب الأخ