فإذا قال قائل: هل هناك فرق بين الصدقة وبين الوصية؟ قلنا: نعم الصدقة تكون عطاء منجزا قبل الموت، والوصية تكون عطاء مؤخرا بعد الموت، وقد ذكر الفقهاء بين العطية والوصية فروقا تبلغ إلى عشرة فروق، ولكن حديث سعد لما كان بعض ألفاظه قد صرح فيه بأنه وصية وحينئذ لا يكون هناك احتمال لكونها عطية، يقول:«أفأتصدق بثلثه مالي؟ قال: لا. قلت: أفأتصدق بشطره أي: بنصفه. قال: لا. قلت: أفأتصدق بثلثه؟ أي: بواحد من ثلاثة. قال: الثلث والثلث كثير»، يعني: الثلث جائز، «والثلث كثير»، فالثلث الأول مبتدأ، وخبره محذوف، والتقدير: جائز، وأما الثلث الثاني فهو أيضاً مبتدأ وكثير خبره، وفي بعض الروايات - وهي مرجوحة- والثلث كبيرة يعني: جزء كبير النسبة بالنسبة للمال، ثم علل النبي (صلى الله عليه وسلم) منعه من الوصية بما زاد على الثلث، فقال:«إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة» في «أن» روايتان إحداهما: «أن تذر»، والثانية:«إن تذر» والفرق بينهما أن «أن تذر» مصدرية تنصب الفعل فيجب أن يكون الفعل بعدها منصوبا، أما «إن» فهي شرطية ويكون الفعل بعدها مجزوما فنقرؤها هكذا: «إنك إن تذر ورثتك».
على رواية «أن» كيف يكون إعرابها نقول: «أن تذر» مصدرية وهي في محل المبتدأ يعني: يقدر ما بعدها مصدرا في محل نصب على أنه بدل اشتمال من الكاف في قوله: إنك ويكون التقدير: إن وذرك ورثتك أغنياء خير، ويكون «خير» خبر إن، أما على رواية الكسر «إن تذر» ف «إن» شرطية وتذر فعل الشرط، وجواب الشرط جملة خير من أن تذرهم، ولكن لابد فيها حينئذ من تقدير، والتقدير: إنك إن تذر ورثتك أغنياء فهو خير، وعلى هذا فيكون قد حذف صدر الجملة الواقعة جوابًا، وما هو؟ «هو» وحذفت الفاء أيضا من الجواب، مع أن الجواب هنا جملة أسمية، والجملة الاسمية إذا وقعت جوابًا للشرط وجب اقترانها بالفاء، لكن قد تُحذف أحيانا - أي: القاع- ومنه قول الشاعر: