للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتقدير: فالله يشكرها، لكن حذفت، هذا إعراب هذه الجملة، أما المعنى فيقول النبي (صلى الله عليه وسلم) معللاً منعه الصدقة بما زاد على الثلث، يقولون إن ذلك من أجل الورثة، وأنك إذا تركت ورثتك أغنياء فهو خير من أن تذرهم عالة، «أغنياء»، مفعول ثان لتذر؛ لأن تذر تنصب مفعولين، ولكن ما معنى أغنياء؟ أي: غير محتاجين للناس بما تتركه لهم من الميراث، خير من أن تذرهم عالة أي فقراء، لأن عالة جمع عائل.

وقوله: «يتكففون الناس»، أي: يمدون أكفهم إلى الناس ليسألونهم: يا عم أعطني، يا عم أعطني.

ففي هذا الحديث عدة فوائد منها أولاً: حسن خلق النبي (صلى الله عليه وسلم) ورعايته، لكونه كان يعود أصحابه ويرعى أحوالهم.

ومنها: حرص الصحابة (رضي الله عنهم) على الفقه في الدين، ولهذا لم يقدم سعد ابن أبي وقاص على الصدقة بشيء من ماله في هذه الحال حتى سأل النبي (صلى الله عليه وسلم)، ويتفرع على هذه القاعدة أنه ينبغي لنا أن نقتدي بالصحابة في هذه الأمور، فلا نقدم على شيء من العقود أو المعاملات حتى تعلم حكمه في شريعة الله، لتكون المعاملات على بصيرة، أما عمل الناس اليوم فيتبعون كل ما جد من العقود والشركات بدون أن يسألوا أهل العلم، فهذا خلاف ما كان عليه الصحابة (رضى الله عنهم).

ومنها: جواز البناء على الظاهر، وأن الخبر لا يعد كليا لقوله: «ولا يرثني إلا ابنة لي»، فإن هذا بناء على الظاهر الواقع، وقد تختلف الأحوال.

ومنها: أن السائل ينبغي له أن يذكر الحالة على حقيقتها؛ لأن سعداً (رضي الله عنه) ذكر أنه ذو مال، وأنه لا يرثه إلا ابنة له، ولم يعم الأمر على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، لم يسأله إلا حيث بين له الحال تمامًا، وهلا أمر واجب على المستفتي إذا استفتى الإنسان أن يشرح له الحال على الوجه الذي يسأل عنه خلافا لبعض المستفتين الآن، تجده يستفتي في شيء فيذكر كلامًا مجملاً ثم مع النقاش يتبين أن الأمر على خلاف ما صوره لك أولا.

ومن فوائد الحديث: أن من كان عنده مال كثير فإنه لا حرج عليه أن يوصي به أو يتصدق به في مرضه، لقوله: «وأنا ذو مال»، لأنه سبق لنا في الشرح أن المراد بقوله: «ذو مال»، أي: مال كثير.

ومن فوائد الحديث: جواز تصرف المريض ولو كان مرضه مخوفا؛ لأن الظاهر من حال سعد (رضي الله عنه) أنه كان متصورا أن هذا المرض مخوف، ومع ذلك أجاز له النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يتصرف على الوجه الذي لا ينافي الشريعة، فهل نقول: يجوز للمريض أن يبيع ماله في مرضه المخوف؟ نعم يجوز؛ لأنه إذا باعه سوف يأخذ ثمنه وليس هذا تبرعا، لكن لا يجوز أن يحابي

<<  <  ج: ص:  >  >>